قال تعالى:(وَبَشّرِ الصّابِرينَ الّذِينَ إذَآ أصَاَبتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وإنا إلَيهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ) (البقرة:155-157) وقد جمع الله سبحانه وتعالى في الآيات أموراً ثلاثة للصابرين لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم . وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ) وعرف الصبر على أنه: (المقام على البلاء بحسن الصحة كالمقام مع العافية). وقد كان أيوب عليه السلام يدعو ربه ويُنَاجيه قائلا: (هذه هي حالي فإن كان يرضيك هذه الآلام ، والأمراض التي تسري في أْوْصَالي ، وهذه الآلام التي تؤرقني ، وإن كان يرضيك فقري ، وزوال أموالي وأولادي إن كان يرضيك هذا ، فلا شك أنه يرضيني ، وإن كان عفوك وكرمك ورحمتك تقتضي أن ترحمني ، وتزيل ما بي من بؤس ، وألم ، فالأمر كله إليك ، ولا حول ، ولا قوة إلا بك). وللصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى:(إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ) (الزمر:10). وقال تعالى: (إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ) (البقرة:153). ويشير الفقهاء إلى أن للصبر ثلاثة أنواع متمثلة في : الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله. وأوضح ابن القيم رحمه الله أن للصبر ثلاث مراتب هي : الصبر بالله ومعناها الاستعانة به ورؤيته أنه هو المُصيّر وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: (وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلا بِاللّهِ) (النحل:127). والصبر لله وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله تعالى وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لإظهار قوة نفسه أو طلب الحمد من الخلق، أو غير ذلك من الأغراض. والصبر مع الله وهو دوران العبد مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه وهذا أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصديقين. ولايمكن إلا أن نقول بأن عاقبة الصبر عاقبة حسنة ولنا في أيوب عليه السلام أسوة حسنة لمن ابتلى بأنواع البلاء فتلقاها بجميل الصبر وشكر ربه وحمده ورجاه أن يكشف عنه البلاء في الدنيا وأن يجزيه حسن الجزاء في الآخرة . وان رضي الإنسان بقدر الله عز وجل فان الأمن والإيمان يغمران قلبه ووقتها فقط سيعيش قي سعادة وهناء وان حدث العكس وتضجر بقدر الله فستكون حياته مليئة بالبؤس والشقاء . قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ) رواه الترمذي وابن ماجة. فاللهم وفقنا للصبر والرضا واصرف عنا اليأس والسخط وارزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال الشاعر : فَدَعْ مَا مَضى واصْبِرْ على حِكِمْةِ الْقَضَا فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فَاتَ بِالْجُهْدِ