الملك وولي العهد يعزيان أمير الكويت    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    رئيسة "وايبا": رؤية المملكة نموذج لتحقيق التنمية    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    20 مليار ريال مشروعات وعقود استثمارية أُبرمت لخدمة الشرقية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    إمدادات الغذاء لغزة لا تلبي 6% من حاجة السكان    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    «أونروا»: مليونا نازح في غزة تحت حصار كامل    ولي العهد يتلقى رسالة من رئيس جنوب أفريقيا.. ويرعى المؤتمر العالمي للاستثمار    ضمن الجولة 11 من دوري«يلو».. نيوم يستقبل الباطن.. والجندل في اختبار العدالة    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال ضيفاً على السد القطري    « هلال بين خليج وسد»    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    جازان: انطلاق المخيم الصحي الشتوي التوعوي    بدء التسجيل لحجز متنزه بري في الشرقية    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    الاحتفاء بجائزة بن عياف    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الحج قديماً .. عبق التاريخ الذي ينقشه ركن الإسلام الخامس .. ( صور )
نشر في إخبارية عفيف يوم 17 - 10 - 2012

رحلة الحج عبر مراحل التاريخ الإسلامي مليئة بالقصص المعطرة بعبق الذكريات حيث كان يواجها الكثير من المتاعب والصعوبات عندما كان السفر بالسفن والبواخر والإبل أو السير على الأقدام وكانت الرحلة طويلة والسفر شاقا والطريق غير مألوف وكان أهل الحجاج يودعونهم وهم غير واثقين تماماً من عودتهم لأن هذه الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر على الدوام وكان الحجاج يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم ويتعرضون أيضا لبعض الكوارث الطبيعية ومن ذلك العواصف والبرد القارس والأمطار الغزيرة والسيول الجارفة .
وكالة الأنباء السعودية سلطت الضوء على رحلة الحج قديماً والذكريات التي تخلفها في نفوس الحجاج كمنظومة مجتمعية متكاملة لا يوجد مثيلاً لها حيث كانت قافلة الحجاج تسير إلى المشاعر المقدسة بحراً أو براً من كافة أصقاع الأرض يقودها أمير القافلة وهو القائد العام للقافلة كلها وكانت مهمته اختيار زمن التحرك وسلوك أوضح الطرق وترتيب الموكب في المسير والنزول والحراسة ولنا أن نتأمل مع حلول موسم كل حج صور الماضي التي تروي قصص الحجيج وقوافلهم .. تروي كل منها عناء ووعثاء السفر، ومشقة الحج في عصور كانت تفتقر لمقومات الأمان في السفر والتنقل والراحة في الإقامة والخدمات التنظيمية بسيطة حيث كانت السمات المعمارية لمكة المكرمة بسيطة ومساحة المسجد الحرام محدودة والمشاعر المقدسة تفتقر حتى إلى الخدمات البسيطة .
ويكتب التاريخ للمملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - أنها وضعت العناية بالمقدسات ورعاية ضيوف الرحمن في ذروة مسؤولياتها اعتزازاً بهذا الشرف العظيم وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - تشهد مكة المكرمة والمشاعر المقدسة نقلة تاريخية ونوعية في حجم مشروعات التطوير، والتوسعة، وتعدد الخدمات، وسخاء الأنفاق، والخطط التنظيمية المتكاملة وتوفير لها كل الإمكانات البشرية والمادية , وتعد التوسعة الجديدة للحرمين الشريفين الأكبر في تاريخهما وتظل مشاعر الحاج فياضة بوصوله لأقدس البقاع لأداء الركن الخامس للإسلام بالحج المبرور والذنب المغفور بأذن الله وأيضاً مغادرة الرحاب المقدسة تظل دائماً مؤلمة للقلب ومدمعة للعين .
ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم دأبوا على السفر إلى الحج، ولم ينقطع عنه من استطاعوا إليه سبيلاً، من أنفسهم سنة من السنين، وكيف يمتنعون والله تعالى يأمرهم بذلك فيقول تعالى " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" , ويقول تعالى " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" .
وقد أقيمت في السابق على طرق الحج منشآت بدائية بسيطة مثل الاستراحات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات ( فنادق) ومساجد وأسواق , كما أقيمت على هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب أتباعها حيث يذكر المؤرخون أن الخلفاء والأمراء كان لهم مبانٍ خاصة بهم ينزلونها عند زيارتهم الأماكن المقدسة ومن أبرز الخلفاء العباسيين الذين سافروا على هذا الطريق للحج , أبو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد وتلك هي المشاهد قبل قيام المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وكانت تحمل الكثير من المعاناة لضيوف الرحمن خاصة في رحلتهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة .
ولحظة وصول الحجاج إلى مكة المكرمة وقبل دخولهم إلى ما يعرف حالياً بالمنطقة المركزية كان هناك مركز لاستقبال الحجاج القادمين من جدة بميدان البيبان وهناك مرشدون ينقلون الحجاج إلى مطوفيهم مباشرة وقد يكون هذا العمل يشبه تماماً العمل المنفذ حالياً ولكن بنوع من التطوير العصري الذي فرضته الطبيعة التاريخية حيث كان لكل مطوف مقر خاص يستقبل فيه الحجاج يطلق عليه (البرزة) والتي كانت تشكل تنافساً قوياً بين المطوفين فكل منهم يعمد إلى إظهار برزته بشكل أفضل رغبة منه في الدعاية وقدوم حجاج في العام القادم أكثر من حجاج هذه العام وداخل البرزة يوجد المطوف وقد تصدر صدر المجلس فيما نرى عن يمينه وشماله مجموعة من الحجاج القادمين له وبينهم شيخ وإمام مسجد وعمدة وهكذا وعند مدخل البرزة يقف أبناء المطوف وعماله في استقبال الحجاج وإدخالهم وتقديم واجب الضيافة لهم.
وكانت عملية نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة "عرفات مزدلفة منى" تتم بواسطة الجمال وكان للجمالة هيئة يطلق عليها هيئة المخرجين تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمالة وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين وهم من يتولون تقدير حمولة الجمل من عفش الحجاج وركوبهم وأجرة الجمل تقدر في كل عام في بداية موسم الحج فالجمل الذي يحمل الحاج له أجر والجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط له أجر وهذه هي الصورة الأولية لنقل الحجاج عبر الجمال والسيارات في زمن غاب ، وعهد جديد حضر فيه الأمن على الطرق بين جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة .
وتذكر كتب التاريخ أنه عندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة أصدر بلاغاً في 12 جمادى الأولى سنة 1343ه أقر فيه العمل لرفع مستوى الخدمات المقدمة للحجاج من قبل المطوفين والإدلاء والوكلاء وكل من له علاقة بخدمة الحجاج وصدر نظام إدارة الحج في 20 ربيع الأول سنة 1345ه والذي يعد أول تنظيم لخدمات الحجاج في عهد الدولة السعودية حيث كان في ذلك الزمن يشكل ميناء جدة أعلى نسبة في استقبال الحجاج القادمين لأداء فريضتهم وكان هناك عدد من وكلاء المطوفين وهم المسؤولون عن استقبال الحجاج وترحيلهم إلى المدينة المنورة أو مكة المكرمة وصدر نظام تسيير السيارات تلاه في عام 1346ه صدور الأمر السامي بالمصادقة على نظام تسيير السيارات وبتشجيع من الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - تأسست الشركة السعودية الوطنية لسير السيارات بالحجاز .
وكانت عملية نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة (عرفات مزدلفة منى) تتم بواسطة الجمال وكان للجمالة هيئة يطلق عليها هيئة المخرجين تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمالة وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين وهم من يتولون تقدير حمولة الجمل من عفش الحجاج وركوبهم وأجرة الجمل تقدر في كل عام في بداية موسم الحج فالجمل الذي يحمل الحاج له أجر والجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط له أجر ثم تأسيس شركة السيارات في عام 1345ه عندا صدر نظام تسيير السيارات تلاه في عام 1346ه صدور الأمر السامي بالمصادقة على نظام تسيير السيارات ، وبتشجيع من الملك عبد العزيز طيب الله ثراه تأسست الشركة السعودية الوطنية لسير السيارات بالحجاز وتلك هي الصورة الأولية لنقل الحجاج عبر الجمال والسيارات في زمن غاب وآخر حضر فيه الأمن على الطرق بين جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة.
أما فيما يتعلق بتنظيمات الحج وخدمات الحجاج فإننا نقول أنه عندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة أصدر بلاغاً في 12 جمادى الأولى سنة 1343ه أقر فيه العمل لرفع مستوى الخدمات المقدمة للحجاج من قبل المطوفين والإدلاء والوكلاء وكل من له علاقة بخدمة الحجاج وصدر نظام إدارة الحج في 20 ربيع الأول سنة 1345ه والذي يعد أول تنظيم لخدمات الحجاج في عهد الدولة السعودية .. فجاءت معها مسؤولية المطوف حيث شكلت مثل هذه الخدمات علاقة جيدة بين المطوفين والحجاج وصلت إلى حد النسب فكم من مطوف تزوج من ابنة حاج أو أخته.
فكان المطوف هو الشخص المسؤول مسؤولية مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة المكرمة ينقل المريض إلى المستشفى باحثا عن علاج له ومتابعاً لصحته أما الحجاج المتوفون فإن المطوف مسؤول عن عملية دفنهم وحصر تركتهم وتسليمها لذويهم وكان المطوف هو المرجع الفقهي للكثير من الحجاج في المسائل التي يبحثون عن إجابة لها فيما يتعلق بالفريضة ولم يكن المطوف يوما مجرد موظف يمارس عملا بل هو شيخ وسط حجاجه حتى أن الكثير من الحجاج صنفوا المطوفين بأسماء أصبحت ألقابا مشهورة لهم فالأتراك يقولون للمطوف الدليل أما حجاج جنوب آسيا فيقولون له المعلم وحجاج جنوب شرق آسيا يطلقون عليه الشيخ وهذا نتيجة طبيعية للمكانة التي يحظى بها المطوف لدى الحاج.
ومما كان يستمتع به الحجاج قديماً في رحلات حجهم هي زيارتهم للمواقع التاريخية لمكة المكرمة بدءا من جبل النور وجبل ثور ففي هذين الموقعين كانت ادمع الحجاج تنهمر بكاء على ما عاناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته وهجرته إلى المدينة المنورة حيث تتحول إلى مشاهدات توثق بالرحلة تنقل بعدها عبر الحاج عند عودته لأبناء قومه .
وكانت رحلة الحج قديماً تبدأ عندما ينوي المرء أن يحج ويعقد العزم على ذلك باستعداده قبل موسم الحج بعدة أشهر، حيث يعد له راحلة يطعمها ويهتم بها لتقوى على قطع مهالك الطريق وبعد ذلك يبدأ الحاج في جمع ما يحتاجه من نقود بسيطة لقلة ذات يد الكثيرين في ذلك الزمن فتراه يضاعف جهده من أجل شراء الراحلة وتأمين لقمة العيش التي ستسد رمقه أثناء الرحيل وحين العودة إضافة إلى قيمة الهدي للقادرين ولمن يختار نسك التمتع في الحج وبعد أن يجتمع حجاج كل بيت مع أقاربهم وأصدقائهم وبعد آهات الوداع الممزوجة بالدموع الحارقة يخرج حجاج كل بلد في طريق معروف ليلتقوا مع إخوانهم من حجاج المنطقة ويكونوا ركباً متعاوناً .
وكانت الراحلة التي تغذى جيداً قبل الرحيل بفترة لتقوى على قطع مهالك الطريق يوضع على ظهرها "الشداد" ويسميه البعض "المسامة" لركوب الرجل على ظهرها ويوضع للمرأة "هودج" أو "الكواجة" وهو بمثابة خدر للمرأة تركبه ويسترها عن أعين الرجال ويصنع من الخشب ويستر بالقماش ويكون على هيئة صندوق مرتفع السقف يسمح للمرأة بالجلوس فيه براحة كما تزود الراحلة بالمزاود التي تعلق على جانبي الراحلة وهي عبارة عن أكياس مصنوعة من الصوف لحفظ المتاع البسيط ويكون المشي خلال رحلة القافلة أثناء برودة الجو وعندما تشتد حرارة الشمس في الظهيرة يتوقف الركب للراحة تحت ظل الأشجار .
ويعمد المسافرون أثناء الرحلة إلى أكل بعض الطعام كل على حدة مع أهل بيته بعد أن يترك المطية ترعى حولهم وقد يكون هذا الطعام بضع تميرات مع مذقة ماء باردة من القرب المملوءة وقد يعجن البعض من الموسرين الطحين "دقيق القمح" ويتبعه بشرب الماء ومن ثم تواصل القافلة المسير إلى وقت الليل فيتوقف الركب ويعقل كل راحلته حتى لا تسري أثناء الليل وتتركه بلا راحلة بل إنّ البعض منهم يعقلها ويتوسد يدها لينام الليل وخصوصاً وقت شدة البرد حيث تجلب له الدفء .
وبعد الوصول إلى مكة يؤدي الحجيج حجهم في الاستقرار بمنى ومن ثم الذهاب إلى عرفة حيث يجلسون في العراء فلا خيام ولا منازل تؤويهم فالأرض فراشهم والسماء لحافهم بعد ذلك يبيتون في مزدلفة وإذا أصبحوا ذهبوا إلى منى لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي لمن كان متمتعاً أو قارناً وكانت قيمة الهدي آنذاك لا تتعدى الثلاثة ريالات فيأكل الحجيج من هديهم ويستطعمون اللحم الذي لم يتذوقوه منذ أشهر وبعد إتمام الحج يعمد الحجاج إلى تجفيف اللحوم المتبقية من لحوم الهدي وذلك بتشريح اللحوم وإضافة الملح إليها ليبعد الماء ويسرع في تجفيفه ويسمى اللحم المجفف "القفر" فيأكلونه في طريق العودة وقد يتبقى قليل منه ليأكله العائدون إلى ديارهم مع أهاليهم ويكون له طعم ومذاق خاص لا ينسى .
ولا ينسى الحجاج بعد إتمام مناسك الحج الهدايا لمحبيهم من الأهل والأصدقاء وللصغار نصيب منها وكانت الهدايا المعروضة للشراء في ذلك الزمن محدودة فلا مجال للاختيار وتنحصر تلك الهدايا في "القريض" وهو حب الحمص الصغير المجفف وحلاوة مكة وهي قطع حمراء بطعم السكر تصنع في قالب كبير ثم تكسر إلى قطع على قدر كف اليد أو أصغر وكان لها مذاق خاص وطعم حلو رائع وارتبطت هذه الحلوى بمكة فعند النظر إليها تعرف أنّها جلبت مع الحجيج أو المعتمرين كما أنّ من الهدايا "الزمارة" وهي آلة صغيرة عند النفخ فيها بالفم تصدر صوتاً جميلاً يفرح بها الصغار ويلهون بها وقد ضرب بها المثل حيث يقال "زمّر ولدك" لمن وصى صاحبه بشيء ودفع له القيمة مقدماً ليحضره .
ويعود الحجيج والفرحة لا تسعهم بعد أن منّ الله عليهم بأداء مناسك الحج، ويرددون أبياتاً يتغنون بها ومنها : الهجن عدت بنا الأميال .. والحج عنا قضاه الله ، وقد يموت أحد الحجاج في طريق العودة فيضطر رفاقه إلى دفنه في الطريق نظراً لبعد الديار، فلا يستطيعون حمله فإن كانوا قريبين من مورد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ومن ثم حفروا له قبراً ودفنوه أمّا إذا كانوا بعيدين عن الموارد وكانت الأرض صلبة غسلوه وكفنوه ومن ثم وضعوه في أحد الجبال وسدوا عليه قبره بالحجارة حتى يواروه عن السباع ومن ثم يواصلون المسير إلى الديار لينقلوا خبر وفاته إلى أهله الذين يعيشون الحزن والفرح معاً حزناً على فراقه وفرحاً بحسن الخاتمة حيث إنّ الحاج يعود من ذنوبه مثل يوم ولدته أمه .
وبعد أن تحسنت الأحوال المعيشية بعد توحيد المملكة وظهور السيارات في نهاية الخمسينيات الهجرية صار الذهاب إلى مكة لأداء منسك الحج ميسراً بعد السفر سيراً على الأقدام أو بواسطة الجمال فأصبح السفر إلى مكة عن طريق السيارات التي قلصت الوقت من خمس وعشرين يوماً إلى خمسة أيام أو أقل نظراً لوعورة الطريق قبل مد خط "الإسفلت" بعد أن كانت الجمال تشكل أفضل وسيلة نقل في زمن لم يعرف وسائل النقل الحديثة .. حيث كانت قوافل الحجاج تصل للأراضي المقدسة وتحمل كل منها قصة تروي مشقة وعناء السفر وكان الكل يأتي للحج غير مكترث بالمخاطر التي ستواجهه.
وهذه الحقبة من الزمن كانت قبل قيام الدولة السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه والتي كانت تحمل الكثير من المعاناة لضيوف الرحمن خاصة في رحلتهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة إذ كانت عمليات السلب والنهب وأخذ الإتاوات دون وجه حق هي السائدة في زمن لم يعرف الحاج فيه الأمن والأمان على ماله وعرضه عندها انطلقت البداية الحقيقية لتنظيم خدمات الحجاج فمع عام 1343ه وتحديدا يوم الخميس 7 جمادى الأولى بعد أن ضم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الحجاز وأعلنت مبايعته ملكا عام 1344ه إذ أعلن طيب الله ثراه بحضور الأهالي ورؤساء القبائل والعشائر أن العمل في حرم الله سيكون بما في كتاب الله وسنة نبيه فلا يحل في هذه البلاد إلا ما أحله الله ولا يحرم فيها إلا ما حرمه وأكد أنه سيضرب بيد من حديد وبلا رحمة ولا شفقة على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن أو محاولة تعكير صفوه وركز بصفة خاصة على توفير الأمن والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام في جميع المشاعر والطرقات المؤدية إليها .
وكانت عملية نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة (عرفات مزدلفة منى) تتم بواسطة الجمال وكان للجمالة هيئة يطلق عليها هيئة المخرجين تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمالة وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين وهم من يتولون تقدير حمولة الجمل من عفش الحجاج وركوبهم وأجرة الجمل تقدر في كل عام في بداية موسم الحج فالجمل الذي يحمل الحاج له أجر والجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط له أجر ثم تأسيس شركة السيارات في عام 1345ه عندا صدر نظام تسيير السيارات تلاه في عام 1346ه صدور الأمر السامي بالمصادقة على نظام تسيير السيارات ، وبتشجيع من الملك عبد العزيز طيب الله ثراه تأسست الشركة السعودية الوطنية لسير السيارات بالحجاز وتلك هي الصورة الأولية لنقل الحجاج عبر الجمال والسيارات في زمن غاب وآخر حضر فيه الأمن على الطرق بين جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة.
أما فيما يتعلق بتنظيمات الحج وخدمات الحجاج فإننا نقول أنه عندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة أصدر بلاغاً في 12 جمادى الأولى سنة 1343ه أقر فيه العمل لرفع مستوى الخدمات المقدمة للحجاج من قبل المطوفين والإدلاء والوكلاء وكل من له علاقة بخدمة الحجاج وصدر نظام إدارة الحج في 20 ربيع الأول سنة 1345ه والذي يعد أول تنظيم لخدمات الحجاج في عهد الدولة السعودية .. فجاءت معها مسؤولية المطوف حيث شكلت مثل هذه الخدمات علاقة جيدة بين المطوفين والحجاج وصلت إلى حد النسب فكم من مطوف تزوج من ابنة حاج أو أخته.
فكان المطوف هو الشخص المسؤول مسؤولية مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة المكرمة ينقل المريض إلى المستشفى باحثا عن علاج له ومتابعاً لصحته أما الحجاج المتوفون فإن المطوف مسؤول عن عملية دفنهم وحصر تركتهم وتسليمها لذويهم وكان المطوف هو المرجع الفقهي للكثير من الحجاج في المسائل التي يبحثون عن إجابة لها فيما يتعلق بالفريضة ولم يكن المطوف يوما مجرد موظف يمارس عملا بل هو شيخ وسط حجاجه حتى أن الكثير من الحجاج صنفوا المطوفين بأسماء أصبحت ألقابا مشهورة لهم فالأتراك يقولون للمطوف الدليل أما حجاج جنوب آسيا فيقولون له المعلم وحجاج جنوب شرق آسيا يطلقون عليه الشيخ وهذا نتيجة طبيعية للمكانة التي يحظى بها المطوف لدى الحاج.
ومما كان يستمتع به الحجاج قديماً في رحلات حجهم هي زيارتهم للمواقع التاريخية لمكة المكرمة بدءا من جبل النور وجبل ثور ففي هذين الموقعين كانت ادمع الحجاج تنهمر بكاء على ما عاناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته وهجرته إلى المدينة المنورة حيث تتحول إلى مشاهدات توثق بالرحلة تنقل بعدها عبر الحاج عند عودته لأبناء قومه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.