طفتُ الحياة شرقًا وغربًا ، شمالا وجنوبًا ، وتأملتُها مليًا ، فألفيتها قد ملئت نماذج من البشر متباينة في طريقة تفكيرهم ، ومستوى تعليمهم ومعيشتهم ، وثقافاتهم ، واهتماماتهم ،.... فهناك الطبيب المكافح ، والمهندس اللامع ،والمعلم المجاهد ، والعَالِمُ الجَهْبذ ، والأديب الأريب ، ورب الأسرة المناضل في سبيل إصلاح أبنائه وكل ذو صنعة . ولهذه النماذج نقف وقفة إجلال وإكبار؛ لا سيما أنهم يحملون في جَعبهم ما من شأنه أن يخدمَ البشرية ، بأن يفتح عقلاً ، وينيرَ دربًا ، وينشر رسالة ، ويؤدي أمانة ،ويرفع أمة ويعلي همة ، فهؤلاء أمجادهم مشهودة وجهودهم لا شكَ محمودة . لكن العجب كل العجب ! ممن صنعوا بألسنتهم أمجادًا واهية ، وشيدوا بروجًا من السؤدد عاتية ، وبوءوا أنفسهم من الدنيا منازل عالية ، وما هي في الواقع ..إلا سراب ، فلا هم يدفعون ، ولا لغيرهم ينفعون ، في كلِّ فنٍ ولونٍ يتحدثون ، يهرفون بما لا يعرفون ويهذون بما لا يدرون ، وبِ ( لا أعلم ) أبدًا لا ينطقون ، فهم قناديل تضيء للناسِ بزعمهم ! شامخين بذواتهم الجوفاء ،وعقولهم الخرقاء، يتسلقون أكتاف العظماء ، ولا يرون الناس من حولهم إلا أقزامَا أو كأمثال الذََّرْ ، يحسبون أن الله ما ذرأهم إلا رحمة للعالمين ! ومع ذلك تجدهم دون خجل وبكل صفاقة يزاحمون أهل الفضل على فضلهم ، ويطمحون بل ويطالبون بأن يشاطروهم مكانتهم بين الناس ! والمؤلم.. أنّ ثمةَ مطبلين لهؤلاء ومصفقين كُثرْ لغايات ومآرب يعلمها الله مما يزيد أولئك الشرذمة غطرسةً وعلوًا ، وهضمًا للحقوق ومصادرةً للجهود .. فصدق ابن العميد حين قال : ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ ... والفارغاتُ رؤوسهنَّ شوامخُ ! إشراقة يراع : تأول نزولًا إن تكن حزت العلا * فالشيء يهوي إن تسامى وارتفع ما طار طيرٌ مرةً نحو العلا * مستمتعًا إلا كما طار وقع! جميلة العتيبي