يعرّف أحد المثقفين المثقف بأنه : من وعى ذاته وأدرك رسالته، وتفاعل مع معلومات سابقيه، وامتلك إرادة التغيير وأدواته بناء على معطيات عصره، ونزع بوعي معرفي له، فكان معالجاً مبادراً، ومن ثم منتجاً لثقافة خاصة ورؤية متفردة يحدد بها هويته ويميز بها سلوكه. ستجد أن غالبية المثقفين يتفقون مع هذا التعريف ، فهو تعريف يمنح المثقف الاستقلالية التي يحب أن يظهر بها ويؤكد عليها، هو تعريف يعطيه الثقة بقدرته على التغيير والمناداة بهذا التغيير بل وأكثر من ذلك هو تعريف يُتوّجه القادر الأكبر على المبادرة بهذا التغيير. وعلى الرغم من أن المثقف يؤمن فعلا بهذا التعريف، ويؤمن بدوره في التغيير، ويتحدث كثيرا عن هويته ويحتاج دائما إلى التأكيد أمام المجتمع وأمام زملائه من المثقفين بالأهمية التي يمثلها في المجتمع وعن تميزه واستقلاله، لكنه، هذا المثقف تحديدا، المثقف المتميز كثيرا ما يرسب في امتحان تأكيد ذاتيته وكثيرا ما ينسى هويته وأهميته وما يتشدق به دائما عن التغيير، في أبسط المواقف وأهونها.. كثير من المثقفين يسقطون أمام إغراءات أدنى بكثير مما قد يقع فيه الإنسان العادي غير المثقف، فالمثقف قد يقع ضحية إغراء منصب مهما كان صغيرا، وقد يقع ضحية بعثة مثلا وقد يقع ضحية وعد بجائزة وقد يقع ضحية التواجد.. التواجد يعني أن يبقى المثقف قريبا من العين والقلب من كل الأمور المهمة.. حين يقع المثقف ضحية هذه الإغراءات، يتخلى بسهولة عن إيمانه بقدرته على التغيير، يصبح الهم الأكبر لديه التأكيد على حضوره بغض النظر عن معنى هذا الحضور أو أهميته.. المثقف من هذا النوع يصبح الهم الأكبر لديه ليس التغيير الذي هو سمة من سماته، على العكس تماما يصبح همه الأكبر التسليم باختيارات الآخرين ، الآخرين الذين قدموه إلى الواجهة، الآخرين الذين سيسعى طوال وقته إلى مراضاتهم وتخمين ما يفكرون به حتى لا يخطئ ولو عرضا برفض مسألة أو اسم يؤمنون به بدون أن يعرف. المثقف من هذا النوع سيخرج من تعريف المثقف الذي ذكرناه في أول الكلام، مهما كانت صورته براقة ولامعة ومهما كان متواجداً وبارعاً في نثر الأحاديث.. هناء حجازي