ثقيل على النفس الحديث عن الموت لكنه يحيط بنا، نشعر بقربه، ونشعر بقربه أكثر إذا مات قريب لنا، اعذروني إذن إذا تحدثت عن الحقيقة الراسخة والوحيدة في الحياة، فقد غادرنا قريبي، وأمضيت أمسي أشاهد خالتي وهي تبكي بحرقة غياب ابنها، واستدعى غيابه غياب كل الذين غادرونا من أحباب. هذا الموت المفاجئ، أو حتى الموت غير المفاجئ يوقظنا لنفكر فيه، هذا الذي ندعوه الحقيقة الوحيدة، لكننا لا نعيها تماما، نقولها ونحن في هيام، نهيم في الحياة، نسمع عن الموت، نراه يخطف أحبابنا، لكننا لا نتغير، بعد قليل نعود إلى نفس ممارساتنا. هذه ليست مقالة وعظية، من يعرفني يعرف أنني بعيدة تماما عن الوعظ، أنا فقط أتأمل الإنسان، أحاول أن أعرف كيف أفكر وأتصرف، وكيف نفكر ونتصرف جميعا. أتذكر عبارة لا أنساها أبدا سمعتها في إحدى المسلسلات المصرية لكاتب سيناريو عبقري، يقول شخص لصديقه الذي يتعرض لضغوط تطلب منه خيانة ما أو فساد ما، نحن نعيش الحياة مرة واحدة، فيرد عليه صديقه، لذلك يجب أن نحياها ونحن محترمون، أو ربما قال رؤوسنا مرفوعة، أو نظيفين، في كل الأحوال أعتقد أن المعنى واضح. في اليوم الواحد يموت قرابة 150000 إنسان، وجميعنا نعرف أننا لا نعرف متى نموت، بعد ساعة أو بعد سنوات، في عز الشباب أو بعد أن نمل من الحياة كما مل منها زهير بن أبي سلمى، لا نعرف. لكننا نعرف الطريقة التي اخترناها في الحياة، نختارها بملء إرادتنا، ودائما أفكر أننا إذا كنا نموت في يوم من الأيام، لماذا يكون تغيير الطريقة التي نسير بها حياتنا تبدو صعبة ومستحيلة إلى هذه الدرجة؟ المخيف في الموت أننا لا ندري تماما ما الذي يحدث بعده، لذلك نحاول أن نبعده عن تفكيرنا، ربما ليس من العيب أن نفكر في الحياة، لكن ماذا لو عشنا حياتنا كأننا أموات، حياة بلا حياة، وماذا لو جعلنا الموت هو الذي يتحكم في حياتنا؟ وماذا لو عشنا الحياة وكأننا لن نموت، ماذا لو فكرنا في أن الثروات التي نجري وراءها والكراسي التي يسيل لعابنا من أجلها وندوس على كرامتنا في سبيلها، والماركات التي نرتديها ونتفاخر بجمعها، ماذا لو سألنا، لو متنا، سيختصر الناس حياتنا بكلمة، كان طيب، أو الله يستر على عباده. المقالة ليست وعظية، لكنها تحت تأثير حالة، أتمنى أن لا أنسى هذا التأثير سريعا، أحيانا أغضب من أشياء سخيفة، سخيفة جدا، حيث أمام الموت، تبدو كل الأمور صغيرة وتافهة. رحم الله ابن خالتي سعيد كان طيبا.. ---------- بقلم : هناء حجازي