رغم أن فترة احتجازه لم تتجاوز ال30 ثانية في إدانة رمزية لم تتطلب منه المكوث في السجن لأي فترة، إلا أن رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني قد يواجه ما هو أكبر من ذلك وهو الإطاحة به من منصبه وذلك على خلفية امتناعه عن تنفيذ أوامر قضائية بإعادة فتح ملفات فساد قديمة، متهم فيها مسئولون كبار من بينهم الرئيس آصف علي زرداري الذي يتعرض لضغوط كبيرة للتخلي عن السلطة. وأدانت المحكمة الباكستانية العليا يوم أمس الخميس جيلاني بازدراء القضاء حيث قالت إنه "امتنع بكامل إرادته" عن تنفيذ طلباتها الموجهة إليه بالسعي لدى السلطات السويسرية لإعادة فتح التحقيق في اتهامات بالفساد، موجهة للرئيس زرداري، ومتهمين آخرين، تعود إلى أواخر العقد الماضي، فيما دفع رئيس الوزراء بأنه "غير مذنب" بتلك الاتهامات.
وغادر جيلاني – الذي يعد أول رئيس وزراء لباكستان تدينه محكمة خلال شغله المنصب – المحكمة حرا حيث إنها لم تقرر توقيفه إلا رمزيا خلال مدة الجلسة التي لم تستغرق سوى بضع دقائق وكان يمكن أن يحكم عليه خلالها بالسجن ستة اشهر، وقد أعلن محامي جيلاني أن موكله سيستأنف قرار المحكمة دافعا بوجود خلل إجرائي.
وفسر محللون عدم الحكم على جيلاني بالسجن وذلك حتى لا تزيد من شعبية حزب الشعب الباكستاني الحاكم لأن هذا الأخير سيظهر بمظهر الضحية. لكن هذا الحكم الرمزي الصادر بحق جيلاني لا يزال من الممكن أن يؤدي إلى إقالته من منصبه، حيث يشير مراقبون إلى أن هذه الإدانة تفتح الباب أمام بدء إجراءات تؤدي إلى تنحيته لأنها يمكن أن تؤدي إلى استبعاده من البرلمان الذي يتعين أن ينبثق رئيس الوزراء منه.
وينص الدستور الباكستاني على أن أي شخص تتم إدانته بتحقير أو إهانة القضاء لا يحق له تولي رئاسة الحكومة.. كما أن هذه الإدانة وما يتبعها من استقالة جيلاني أو إقالته تزيد من هشاشة السلطة الباكستانية الضعيفة الشعبية أصلا بسبب اتهامات متواترة بالفساد وأزمة عميقة اقتصادية في مجال الطاقة. ويرى خبراء في القانون أن عملية إقالة جيلاني يمكن ان تكون طويلة وتحتم مشاركة رئيس مجلس النواب واللجنة الانتخابية، في ظل دعوات بتقديمه استقالته.
وفور صدور الحكم، طالب الزعيم الرئيسي للمعارضة الباكستانية نواز شريف بالاستقالة "الفورية" لرئيس الوزراء الذي بقي أطول مدة في منصبه في تاريخ البلاد. كما تعالت الدعوات من جانب شخصيات أخرى إلى استقالة جيلاني ، وفي مقدمتهم رئيس الجماعة الإسلامية سعيد منور حسن وزعيم حزب تحريك والإنصاف الباكستاني عمران خان.
وفي المقابل يتهم العديد من مسؤولي الأغلبية الحاكمة المحكمة العليا بالسعي إلى الإطاحة بجيلاني وزرداري قبل نهاية الولاية الرئاسية والانتخابات العامة المقررة في فبراير 2013. وإذا أتمت حكومة جيلاني فترة حكمها ستصبح أول حكومة باكستانية على الاطلاق تتم فترة بقائها في الحكم بالكامل. ويرجع تاريخ القضية إلى عام 2009 عندما ألغت المحكمة العليا مرسوما بالعفو العام صدر في 2007 ويحمي زرداري من الملاحقات خصوصا في قضية اختلاس مفترض لأموال عامة في التسعينات تم تحويلها إلى حسابات في مصارف سويسرية، وأمرت جيلاني على الفور بمطالبة جنيف بإعادة فتح التحقيق.
وفي 13 فبراير الماضي، اتهمت المحكمة العليا جيلاني بمخالفة قراراتها عندما رفض تحريك الدعوى ضد زرداري قبل أكثر من عامين، ومنذ ذلك الحين، والحكومة تشدد على الحصانة القضائية التي يتمتع بها الرئيس طيلة وجوده في الحكم.
يذكر أنه في العام 2003، اتهمت محكمة سويسرية زرداري وزوجته رئيسة الوزراء الراحلة بنظير بوتو بتبييض حوالي 12 مليون دولار من الأموال العامة في تسعينيات القرن الماضي عندما كانت بوتو رئيسة للحكومة، إلا أنهما استأنفا الحكم.
ويصر جيلاني على ان زرداري يتمتع بالحصانة الكاملة، ولكن في ديسمبر 2009 الغت المحكمة العليا العفو السياسي الذي ادى الى ايقاف التحقيقات الخاصة بزرداري وغيره من السياسيين. ويرى مراقبون أن استقالة جيلاني من شأنها اضعاف الرئيس زرداري لكنها ليس من شأنها قلب المعطيات بشكل جذري في الساحة السياسية الباكستانية، وسيكون على حزب الشعب الذي يقود ائتلافا حاكما في تلك الحالة أن يعوض سريعا جيلاني بأحد أعضائه الآخرين، ليكون في النهاية جيلاني أول ضحايا فساد زرداري في قضية بدأت باحتجاز رئيس وزراء باكستان 30 ثانية فقط.