بعد التقنية الاتصالية في أواخر القرن الماضي قال خبراء الإعلام: إن العالم أصبح "كالقرية الواحدة"، وبعد ظهور البثّ المباشر للتلفزيون قال المتخصصون: إن العالم أصبح "في بيتك"، الآن وبعد التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصال وتطبيقاتها البرامجية المتعددة في جهاز الهاتف الجوال فقد أصبح العالم "في جيبك". لكن هذه التقنية أصبحت أسنَّ من السيف، وأمضى من الرصاصة. فهي اليوم من أهم الأسلحة الحديثة في إعادة صياغة العقول، وتوجيه الرأي العام. وفي زمن الفتن والاضطرابات أصبح الإعلام الجديد بوسائله المتعددة، وتطبيقاته المتنوعة مسرحاً لجيوش من المرتزقة، تم توظيفهم لتحقيق غايات استراتيجية، وأطماع استعمارية، وأهداف أمنية وعسكرية. في منطقتنا العربية التي تموج بالاضطرابات والفتن التي صنعتها القوى الكبرى نرى السهام اليوم تتوجه نحو المملكة العربية السعودية، بوصفها مركز الثقل للعالمين العربي والإسلامي، وهي الدولة التي لا تزال تستعصي على محاولات الزلزلة، على الرغم من قوة الرياح التي تواجهها، واجتماع السهام عليها. ومن أخطر ما تواجهه المملكة اليوم -على مستوى الدولة والمجتمع- الحرب الإلكترونية التي تستهدفها من الداخل. فقد أدركت القوى المتربصة متانةَ العلاقة بين الدولة والمواطن من جهة، وقوة بنائها الأمني والعسكري من جهة أخرى، ولذلك لجأت إلى وسائل الإعلام الجديد في محاولة منها لخلخلة هذا البناء المتماسك، حتى يسهل عليهم تفكيكه وإضعافه، ومن ثم السيطرة عليه. الحرب الإلكترونية الموجّهة للمملكة تشترك فيها جهاتٌ خارجية، جندت جيوشاً من المرتزقة، تُدار غُرفها من العراق ولبنان -على وجه الخصوص-. هذه الجيوش من المرتزقة تقوم بالحرب الإلكترونية بالوكالة عن الصليبيين في أمريكا، والصهاينة في الأرض المحتلة، والمجوس في إيران. حرب شاملة تستهدف الأساسَ العقَدي، والبناء السياسي، والنسيج المجتمعي. وقد رصدت الجهات المعنية أكثر من 10 آلاف حساب على تويتر فقط للقيام بهذه المهمة. ليس هذا غريباً، بل هو المتوقع. لكن ما يدعو للأسف أن ينخرط في عضوية هذه الجيوش المرتزقة حسابات وهمية، تدار من معرفات تدعي أنها تنتسب للوطن، وتزعم أنها تحرص على مصلحة البلاد، وهي شر مستطير، تفرق الصف، وتشتت الكلمة، معرفات وحسابات اختارت أن تنحاز للعدو بعلم أو بجهل. ومن يتتبعها يعرف بعضاً من ملامحها، ومنها: أغلب هذه الحسابات وهمية، وتحمل صوراً رمزية مستعارة. التغريد بالهجوم على شخص متفق عليه مسبقاً، ومحاولة "تصنيفه" للتقليل من مصداقيته لدى الرأي العام، أو اجترار كلام قديم له، مع بتره من سياقه الذي ورد فيه، وتوظيفه. إنشاء "وسم" (هاشتاق) بطريقة مُنسقة متفق عليها، وتجييش المرتزقة للمشاركة فيه. إغراق "الوسم" المخالف لأهدافهم بمشاركات تحرفه عن تحقيق أهدافه. تطابق أو تشابه نص التغريد أو إعادة التغريد. المغردون والمعيدون للتغريد من ذوي الحسابات القليلة في عدد المتابعين. استخدام الكلمات الفاحشة والبذيئة لإسقاط شخصية معروفة، أو المشاركين في وسم معين ممن يخالفونهم الرأي. إن المتابع لكثير مما ينشر في وسائل الإعلام الجديد، ويتناول الشأن المحلي الديني أو السياسي أو الاجتماعي يلحظ بوضوح وجود هذه الجيوش من المرتزقة الإلكترونيين، الذين لا يقلون خطراً عن الجيوش العسكرية، وهي الورقة الأخطر التي تلعب بها القوى المعادية للدين والوطن، لكن الأخطر منهم مَن سار في ركبهم، أو أظهر التعاطف معهم من معاولهم المستأجَرة في الداخل!!