(أحتسي قهوتي ببرود شديد أشعر بأنني أنتظر شيئا لا أعلم ما هو !! وأظن بل اكاد اجزم ان هناك من ينتظرني كذلك !!) كانت هذه التغريدة التي كتبها الشاب يوسف سعد y1s1@ – رحمه الله – قبل وفاته بساعات قلائل, حيث توفي في حادث عصر الاثنين 5-4- 1433 ه الموافق 27 فبراير 2011. وكان لي مع هذه التغريدة حكاية, فقد تنبهت لها بعد أن وصلني حساب يوسف من إحدى الأخوات, ثم قمت بتصوير التغريدة ونشرتها في حسابي في تويتر *, ولقيت هذه التغريدة أصداء كبيرة و حصلت على 1230 رتويت, كما تم نسخها ونشرها في آلاف التغريدات, وانتشرت الصورة في خدمة البلاك بيري آنذاك برسائل تجاوزت مئات الآلاف , وتداولت بعض الصحف الإلكترونية الخبر, وبدا لكل راصد أن هذه التغريدة لامست جرحا في كل من قرأها. كانت هذه التغريدة أول محطة لي في رحلتي مع (التغريدات الأخيرة) للمغردين المتوفين, كما توجهت لتحليل أثر هذه التغريدات على المتلقي بكل ما فيها من جوانب إيمانية وأساليب تأثير إعلامية, وأصبحت أتتبع حساب كل شخص يصلني خبر وفاته, لأعرف هل ثمة إحساس غمره بقرب النهاية, كم عدد من استشعروا قرب النهاية, وما هي سماتهم الشخصية, و .. و.. , والكثير من الأسئلة التي تتقافز للذهن حينما ترصد أمرا كهذا. فكان عدد من الحسابات التي وقفت عليها يغلب على أصحابها اليقظة و القرب من الله في آخر حياتهم وهو عدد يستحق التوقف عنده والبحث عما يفسر غلبة هذا الشعور, في هذا الوقت تحديدا. وفي أثناء تتبعي لتغريدات الراحلين لفت نظري مبادرة رائعة لأحدهم جسدها في حساب (تغريدات المتوفين Kings3660 @), هذا الحساب يتابعه أكثر من 115 ألف متابع, وغرد بأكثر من 12000تغريدة مؤثرة, و الأشد تأثيرا أن هذا الحساب هو الحساب الوحيد الذي تفزع من فكرة أنه سيتابعك, لأنه لا يتابع إلا (المتوفين). وقد تحدث صاحب هذا الحساب -واسمه رائد خلف العنزي @raed3533 – , عن قصة فكرة مبادرة (تغريدات المتوفين) قائلا: (فكرة الحساب نشأت من موقف مرّ بي إذ كنت أتصفح تويتر فوصلني (منشن) من أحدهم مكتوب فيه: (دعواتكم لصاحبة هذا الحساب توفيت, فأتمنى منكم نشر تغريداتها الدينية), فدخلت لحساب الفتاة المتوفاة, وكان اسمها (عطور) ومتابعيها 500 شخص فقط, وأكثر من 95% من تغريداتها ذات سمت ديني, فقمت بفحص أعداد الرتويت والتفضيل لتغريداتها, فوجد أن أقل تغريدة حصلت على قرابة 200 رتويت, أغلبها بعد وفاتها حيث تأثر الناس بها, زاد عدد متابعيها بعد يومين إلى 6000 متابع! فقلت في نفسي خسارة أن تضيع هذه الفوائد , وخطرت لي فكرة (حسابات المتوفين). ورغم التفاصيل المؤثرة التي يوردها رائد في مبادرة (تغريدات المتوفين) إلا أن هذه المبادرة لم تكن الوحيدة التي اعتنت بهذا الجانب, فقد أصبحت تغريدات المتوفين مصدر أخبار لعدد من الصحفيين الذين يتلقفون الأحداث الإنسانية والتغريدات المؤثرة التي تحكي مشاعر المتوفى تجاه النهاية والموت, حتى ولو لم تكن تلك التغريدات هي التغريدة الأخيرة, ويزداد الاهتمام بهذا المصدر في الأحداث التي تهز المجتمع . ولعل من تلك الأمثلة: تغريدة غادة أسعد @Ghadah_20_ – رحمها الله – , وهي طالبة في الثالث المتوسط و إحدى اللواتي لقين حتفهن غرقاً بأحد المستنقعات قرب منطقة رماح في حادثة مؤلمة راح ضحيتها ست فتيات من عائلة واحدة, إذ كتبت غادة: (خوفي ليس من الموت.. بل الطريقة التي سأموت عليها! من الشيء الذي ستنتهي حياتي عليه تحديدا) وأيضا تغريدة محمد البشري @M7md_Albishri – رحمه الله – , أحد الأبناء الخمسة لمدير جامعة الجوف الدكتور إسماعيل بن محمد البشري, إذ فجع الدكتور بوفاة أبنائه الخمسة «أسماء، أفنان، محمد، أحمد، وسلطان» في حادث سيارة أمام ناظريه -, وكان محمد قد كتب قبل الحادث تغريدة قال فيها: ( نعود إلى الرياض), وتوفي في حادث على طريق الأحساء قبل أن يصل, فأعاد بعضهم صياغته تغريدته لتصبح: (نعود إلى مقابر الرياض). التغريدات الأخيرة رسائل من الأموات لقلوب الأحياء, وكم من ميت صدق عليه قول الشاعر: وكانت فْي حَياتكِ ليَ عظُاتَ وأنت اليوَم أوعُظ منْك حياً وإلى جانب التأثيرات الإيمانية فقد تم توظيفها إعلاميا توظيف إيجابي ولا أدل على ذلك من حساب (عطور), التي غردت وكان لا يقرأ لها إلا 500 متابع, فأثمرت تغريداتها فكرة حساب (تغريدات المتوفين) كمشروع إيماني إعلامي نجح في إيصال رسالته الإيمانية بأساليب إعلامية مؤثرة , وتجاوز عدد متابعيه 115, وانتفع به 418 مغرد متوفى, ومئات الألوف من الأحياء.