"ريبورت، سبام".. مفردتان تكررتا كثيراً على لسان مغردي شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر"، وتعني "طلب الحجب"، وهي رسالة تصل مباشرة إلى إدارة الموقع الاجتماعي الأكثر جدلاً على مستوى وسائط الإعلام الجديد. كل ذلك جاء بعد تغريدات الكاتبة الكويتية فاطمة الجهراء التي اعتبرها مرتادو الموقع إساءة "للذات الإلهية"، وتفاعلت إدارة الموقع مع الطلبات وحجبت حسابها الشخصي لخمس ساعات، قبل أن تعاود فتحه من جديد، ورغم أن المطالب المتتالية للإدارة تؤكد على ضرورة استمرار عملية الحجب لتجاوزها "الثوابت الدينية". وفي حملة لوجستيه مضادة لإدارة تويتر، نظم المغردون حملة "عدم تتبع" لتغريداتها وتجاهلها. وكانت 500 تغريدة للجهراء كفيلة بوضعها تحت مجهر "المغردين"، حيث جاءت دعواتهم ضدها على 3 خطوط متوازية، أولها إحالتها إلى الجهات القضائية في بلدها الكويت، واعتبار ما غردت به جريمة إلكترونية من العيار الثقيل تهدد كيان المجتمع. والخط الثاني كان طلب مناظرتها لتبيين حججها الواهية. أما الخط الثالث فهو حملة "انفلو لفاطمة الجهراء" لتجاهلها وعدم متابعتها على الإطلاق. ولم تكن الجهراء هي الوحيدة في ساحة الإساءة ل"الذات الإلهية"، فسبقها آخرون في ذلك من بني جلدتها وموقوفون حالياً على ذمة التحقيق أمام القضاء الكويتي. وبدأت شرارة تويتر في هذا المجال تظهر بعد التغريدات التي أطلقها الشاب السعودي الموقوف أيضاً على ذمة التحقيق حمزة كشغري لإساءته في تغريداته للذات الإلهية والرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ولمواجهة التغريدات المسيئة للثوابت الدينية وافق مجلس الأمة الكويتي في أوائل الشهر الجاري على رسم قانون تغليظ عقوبة المساس بالذات الإلهية والأنبياء والرسل والطعن في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض أزواجه. وينص القانون على إلحاق عقوبة الإعدام بكل من يسيء للذات الإلهية أو الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته إذا رفض التوبة، كما يعاقب بالعقوبة ذاتها من ادعى النبوة. ونص القانون الجديد على عدم جواز استبدال عقوبة الإعدام إلا بالمؤبد، وحدد سجن الفاعل عشر سنوات إذا كان غير مسلم. وتحول "تويتر" إلى ساحة كبيرة من الجدل بسبب تلك التغريدة حتى كتابة التقرير، وطالبت سلوى العضيدان الجهراء في تغريدتها بالمناظرة، فذكرت :" لقد طالبتها أن تدخل معي في مناظرة وأنا واثقة أنها لن تفعل لأنها تعلم أن حججها واهية وهكذا هم أصحاب الفكر المنحرف الضال يهربون". وتساءل الدكتور حسن الهدية في حسابه على تويتر: أين مباحث الجرائم الإلكترونية منها، إنها تسب الذات الإلهية وتتحدى الله، نرجوالتحرك". ولم يكن تفاعل الموقع مع الحملة المضادة لتغريدة الجهراء، على المستوى المطلوب، إذ عادت بعد 23 دقيقة من الحجب لتقول في حسابها "إن حرية التعبير، شرط أساسي لبناء المجتمعات الحديثة"، إلا أن تلك التغريدة لم تجد لها موقعا على خارطة مغردي الموقع الذين رفعوا طلبات حجب حسابها مرة أخرى "لإلحادها وتطاولها"، على حد وصف التغريدات. ويقدم الباحث في شبكات الإعلام الجديد ماهر المزيني مدلولات تحليلية لما يجري في ساحة تويتر وقال في حديثه إلى "الوطن" : إن إشكالية المغردين المتجاوزين للثوابت الدينية وإثارة الطائفية الدينية، كلها مسائل خارج فهم حرية التعبير التي أتاحها الموقع العالمي، وأضع تلك الإشكاليات في مربع غياب وعي الاستخدام لتويتر. وأضاف المزيني : حالة الحراك الكبيرة التي نشهدها مع كل قضية مشابهة لما حدث في جانب الإساءة للذات الإلهية والرسول الكريم والثوابت الدينية، تلزم أصحاب القرار في الموقع العالمي "تويتر" بضرورة وضع أجندة صارمة بعدم تناول الإساءات الدينية والطائفية في التغريدات، بحيث يكون مصيرها الحجب القانوني ليس لساعات فقط، بل يتجاوز ذلك إلى الحرمان من استخدام الموقع". واقترح المزيني مشاورات تعقدها الجهات العدلية مع إدارة "تويتر" كاتفاقية تعاون في حرمان من يثبت عليهم بالأدلة القطعية ممارسة تلك الإساءات لأي دين أو مذهب. ووفقاً لدراسة أصدرتها كلية دبي للأعمال الحكومية في نوفمبر 2011 فإن عدد التغريدات التي انتجتها الكويت خلال شهر سبتمبر 2011 هي الأعلى عربياً وتجاوزت 11 مليون تغريدة. وهناك عدد غير قليل من التغريدات اعتبرت حساب فاطمة الجهراء، حساباً وهمياً لا يمت لأي شخصية على أرض الواقع بصلة، ووضعوه في خانة وجود "تيار إلحادي" يهدف إلى زعزعة الركائز والثوابت الإيمانية في المجتمع الخليجي على وجه الخصوص. وقد اهتمت المواقع الإخبارية الخليجية والمنتديات الإلكترونية العربية بتفاصيل تغريدة الجهراء، وأضحت محل اهتمام إعلامي واسع، فيما خصص عدد من المنتديات صفحات خاصة لمتابعة "حراكات الموقع".