وفي المدينةالمنورة، عدد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي, ما للزواج من مآثر طيبة وحسنة تُفضي لصلاح الفرد والمجتمع, مبيناً أن في ذلك تمسكاً بفطرة الله التي فطر الناس عليها, وحفظاً للنفس والنسل, واستجابة لأمر الله تعالى ورسوله. وبيّن الشيخ الدكتور علي الحذيفي في خطبة الجمعة, أن الله أراد عمارة هذا الكون شرعاً وقدراً إلى أجل مسمى, وأن هذا العمران لا يكون إلا بالتعاون والتوفيق والاجتماع، وبناء الحياة على السنن العادلة الحكيمة النافعة, مفيداً أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض ليصلحها ويعمرها ويعبد الله عليها, وأن سعادته في طاعة الله, وشقاوته في معصية الله, لقوله تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ", وقوله عز وجل: "وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ". وقال فضيلته: إن من أول خطوات الإنسان ومراحله في هذه الحياة الدنيا اقترانه بزوجة على سنة الله ورسوله, يتم بينهما التعاون والتراحم والتآلف وتشابك المنافع والمصالح, وتتحقق بينهما متعة الغرائز البناءة النبيلة, والسعي إلى الأهداف والغايات الفاضلة والمكاسب المباركة, والذرية الطيبة, مضيفاً أن الزوجية محضن الأجيال, ومدرسة المولود الأولى, وموجهة الشباب إلى الصلاح والإصلاح والتعمير, فالأب والأم لهما الأثر الدائم على أولادهما, وهما لبنتا المجتمع الصالح إن كانا صالحين, ومسكن العطف والرحمة والشفقة والرعاية والإحسان للناشئين, وأصل الرحم والقرابة التي يكون بها التناصر والتراحم والتكافل والتواصل والتواد والحماية من عاديات الحوادث. وأوضح فضيلته: أن الزواج من السنن الماضية التي لا حصر لمنافعه ولا نهاية لبركته, ومن السنن الباقية الدائمة التي لا تنقطع خيراتها, وسنة الأنبياء والمرسلين, لقول الله تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً" كما استدل على أمر الله بالزواج بقوله سبحانه: "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ", كما استشهد فضيلته بما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري. ومضى فضيلته في ذكر محاسن الزواج وأثره على الفرد والمجتمع, مؤكداً أن الزواج أمان للمجتمع من تفشي الزنا وعمل قوم لوط, فما انتشر الزنا في بلد إلا ضربه الله بالفقر والذلة وظهرت فيه الأمراض والوباء الذي لم يكن في أسلافه الماضين, مع ما للزناة في الآخرة من خزي وعذاب, كما ورد في قوله جل وعلا: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً". وزاد, أنه ما اقترف أحد عمل قوم لوط إلا فسد قلبه، وانتكست فطرته، وخبثت نفسه، وانحرفت أخلاقه، وعوقب في الدنيا والآخرة بأشدّ العقوبات, مذكراً بما نزل بقوم لوط من العقوبة التي لم تكن لأمة إذ رجموا بحجارة من سجيل، ورفع جبريل عليه السلام مدائنهم إلى السماء، ثم أسقطها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر الله عليها الحجارة مع خلودهم في النار لعظم جريمتهم. وعاد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي ليؤكد أن الزواج أمان من الزنا ومن اللواط، وطهارة لقلب وزكاة للنفس، وسبب في الذرية التي تتعاقب على الأرض لعبادة الله وللعمران، مضيفاً أنه يشرع أن يتخير الزوج الزوجة بالخلق والدين وحسن المنبت، محذراً من إكراه الفتاة على خاطب لا تقبله، بل يؤخذ رضاها لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن, قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري ومسلم، وأضاف فضيلته، إذا جاء الخاطب الكفء وكانت الفتاة أهلاً للزواج فلا يؤخر وليها زواجها؛ لأنها أمانة عنده يسأل عنها يوم القيامة، ولا يرد الخاطب بحجة مواصلة الدراسة إن أحبا ولا يجوز للولي أن يردّ الخطّاب ليأخذ راتب وظيفتها فتضيع الفتاة بهذا الجشع والاستغلال، وتحرم من الذرية، وعدّ ذلك جناية على المرأة، وقد تدعو عليه فلا يفلح ولا ينفعه المال في قبره. كما بين مشروعية صلاة الاستخارة للخاطب والمخطوبة، والدعاء بعدها لما ورد، وكذلك التوسط في المهر بما ينفع الزوجة ولا يرهق الزوج.