تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في خطبة الجمعة اليوم، عن الزواج وفضله، موصياً المسلمين بتقوى الله تعالى عز وجل. وقال فضيلته: "إن ربكم أراد عمارة هذا الكون شرعاً وقدراً إلى أجل مسمى, وهذا العمران لا يكون إلا بالتعاون والتوافق والاجتماع، وبناء الحياة على السنن العادلة الحكيمة النافعة, والإنسان مستخلف في هذه الأرض يصلحها ويعمرها ويعبد الله عليها وسعادته في طاعة الله، وشقاوته في معصية الله قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، وقال عزوجل: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ). وأوضح فضيلته أن من أولى خطوات الإنسان ومراحله في هذه الحياة اقترانه بزوجة على سنة الله ورسوله يتم بينهم التعاون والتراحم والتآلف، وتشابك المنافع والمصالح، وتتحقق بينهما متع الغرائز البناءة النبيلة والسعي إلى الأهداف والغايات الفاضلة، وتتحقق المكاسب المباركة والذرية الطيبة, مشيراً فضيلته إلى أن الزوجية محضن الأجيال ومدرسة المولود الأولى، وموجهة الشباب إلى الصلاح والإصلاح والتعمير؛ لأن الأب والأم لهما الأثر الدائم على أولادهما وهما لبنة المجتمع الصالح. وبين أن الزواج من السنن الماضية التي لا حصر لمنافعه ولا نهاية لبركته ومن السنن الباقية الدائمة التي لا تنقطع خيراتها, فالزواج من سنة الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً), وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً), وقد أمر الله بالزواج فقال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) عن عبدالله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). وقال الشيخ الحذيفي: إن الزواج طهارة وعفة للزوجين، وصلاح للمجتمع وحفظ له من الانحراف، مستدلاً بقوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ), فالزواج أمان للمجتمع من تفشي الزنا وعمل قوم لوط، فما انتشر الزنا في بلد إلا ضربه الله بالفقر والحاجة والذلة وظهرت فيه الأمراض والوباء الذي لم يكن في أسلافهم الماضين، مع ما للزناة في الآخرة من الخزي والعذاب. وبين فضيلته أنه يشرع أن يتخير الزوج الزوجة الصالحة بالخلق والدين وحسن المنبت لقوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك), كما أن للمرأة أن تختار ذا الدين وحسن الخلق, ففي الحديث سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أزوج ابنتي؟ فقال: (زوجها تقياً إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لا يظلمها), ولا تُكره الفتاة على خاطب لا تقبله بل يؤخذ رضاها. ودعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، علي بن عبدالرحمن الحذيفي، الزوجين إلى المحافظة على رباط الزوجية؛ لئلا ينتقض لأنه رباط غليظ ورابطة قوية, وإن على الزوج القيام بحقوق المرأة بإعداد السكن الذي يصلح لمثلها وبذل النفقة، ولا يتركها تنفق من مالها ولو كانت غنية أو موظفة إلا أن تشاء, وأن يوفها العِشرة كاملة، ويحسن إليها ولا يسيء إليها بالأقوال والأفعال, وعلى المرأة أن تقوم بحقوق الزوج، وأن تحسن عِشرته وأن تطيعه في المعروف ولا تؤذيه، وأن تحسن لولده ووالديه وقرابته وتحفظ ماله.