يحكى أن مدينة كثر فيها اللصوص.. حتى إنهم بلغوا وفق آخر الإحصاءات 90% من السكان.. أي أن 10% فقط من السكان كانوا شرفاء.. تفشت السرقات.. عم السطو.. طم النهب..! إجراءات حكومية اتخذت حكومة المدينة إجراءات قانونية رادعة تغلظ عقوبة السرقة في محاولة لِلجم سيل السرقات العرم، والحفاظ على المدينة من الانحدار إلى هاوية الفوضى، والسيطرة على البقية الباقية من الأمن… لصوص ذوو وجاهة اجتماعية بلغت شدة تفشي السرقة بين أهل تلك المدينة، أن اللصوص فيها امتهنوا مهنا أخرى بالإضافة للسرقة ليحققوا وجاهة اجتماعية تميزهم بين أقرانهم من اللصوص! كانت إحدى المهن المرموقة والتي عُرِفَت بتحقيق قدر عال من الوجاهة الاجتماعية للصوص في تلك المدينة، هي مهنة الفلسفة؛ فكان اللص يسرق بالليل ويتفلسف بالنهار فيحوز المال والجاه معا!! #نعم_أتغير في يوم من الأيام قام فلاسفة اللصوص باقتراح طرح عقوبة السرقة للتصويت!! كان تعليلهم لهذا الطرح هو أن أغلبية سكان المدينة يمارسون السرقة ويستمتعون بها لدرجة أن السرقة أصبحت عرفا مجتمعيا وثقافة جماهيرية تحظى بالقبول والانتشار.. وتابع فلاسفة اللصوص قائلين: ليس من المعقول في ظل هذه الذائقية الشعبية السائدة وفي ظل معطيات ومتطلبات عصرنا الحالية أن نخضع الأغلبية الساحقة لرأي الأقلية المارقة ونستمر في تطبيق قوانين أكل عليها الدهر وشرب. وأضاف فلاسفة اللصوص موضحين: بما أن التغيير دليل الرقي والنضج، وبما أن الجمود خاصية الجهل و الموت، فمن واجبنا أن نسعى للتغيير،ونباركه ونشد عضده ونناضل لأجله؛ وبناء عليه، سنجعل شعارنا #نعم_أتغير. وقال فلاسفة اللصوص: على الشرفاء الذين يكرهون السرقة ويشمئزون منها ويتشبثون بالعقوبات الصارمة لها، اللجوء لصناديق الاقتراع فهي الحكم بيننا وبينهم… أين الشرفاء؟ ثارت ثائرة ال10% الشرفاء وجن جنونهم وأرغى زبدهم.. كان ردهم مدويا… تساءلوا مستنكرين: كيف يعقل أن تطرح مسألة مبدئية كتجريم السرقة للتصويت؟ ماذا سيبقى من المبادئ والثوابت إن ألغيت عقوبة السرقة؟ ما التالي على قائمة اللصوص، إلغاء عقوبة الزنا مثلا؟ أين سيقف اللصوص إن فتح لهم باب الاقتراع بحسب ما يحلو لأهوائهم الفاسدة وأذواقهم الماجنة؟ إلى أي مسخ ستتحول هويتنا إن نحن قايضنا مبادئها بنزوات الحرامية؟ احتدم النقاش.. أصبح جدالا.. استطال واستعرض.. تدخل بعض أصحاب النفوذ.. فتحت بعض الدواوين.. توالت الأحداث عاصفة… غربال الأيام مرت الأيام، وأنعم بغربال الأيام من غربال.. تضعضع المضعضعون.. ولانت معادنهم الرخيصة بكثرة الطرق. انشق المضعضعون على الشرفاء؛ وقالوا: ما المانع من طرح تجريم السرقة للتصويت، بذلك نضمن شمول آراء الآخرين في مستقبل المدينة أولا، ونتمكن من قياس واختبار مدى تفشي الرأي الداعم للسرقة ثانيا. وأضافوا معللين: علينا التحلي بالشجاعة والقبول بالاقتراع، فإن هزمنا اللصوص، فعلينا مواجهة تقاعسنا عن توضيح أضرار السرقة على المجتمع، وتقصيرنا في توعية "الحرامية"، وتخاذلنا عن تثقيف الناس بمثالب اللصوصية كنمط معيشي! وبعدما نواجه التقصير والتقاعس والتخاذل سنجتهد بالمطالبة بعرض تجريم السرقة للتصويت من جديد وسنهزم اللصوص! ببساطة سفاهة فلاسفة اللصوص المطروحة أعلاه، والتي لا يغلبها إلا سفاهة المضعضعين ليست ضربا من الخيال أو السريالية؛ بل إنها واقع نعيشه على شبكة "تويتر" وصفحات الصحف التي ينعق فيها الناعقون كل يوم بطرح مبادئ مجتمعنا وعقيدته وفقهه للتصويت والاقتراع!! المثير في المسألة أن كثرة اللغط والجلبة والصخب والتي عادة ما يجيد الناعقون بلبلتها لترافق مفارقاتهم الجديرة بالضحك، أحيانا تكون كافية لتشويش الصورة عند البعض وإرباك أولوياتهم وتتويههم عن بدهية المسألة. المسألة ببساطة أيها السادة، لصوص يريدون إلغاء عقوبة السرقة!!