د. نايف بن علي السنيد الشراري المدينة التي أسسها جد أسرة آل سعود الأمير مانع المريدي سنة 850ه/1446م، لتكون عاصمة الدولة الحضارية، وقد بدأ ذلك يتحقق بعدما أصبح لها زعامة سياسية، ونسبة سكان كبيرة، وتتبع لها مزارع تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدير الفائض إلى البلدان المجاورة، إضافةً لكونها محطةً على طرق الحج والتجارة. إنها الدرعية ذات القوة الاستراتيجية والاقتصادية التي أهلتها لممارسة نظام الحكم والسيطرة في نجد وفرض النظام والأمن والدفاع عن نفسها، في وقت أعقب انهيار الدولة الإسلامية، وانقسامها إلى ممالك مستقلة. ما جعل في الدرعية ولادة حلم باحتضانها لكيان سياسي يحكم جزيرة العرب. كان الأمير مانع المريدي وأبناؤه وأحفاده من بعده حريصين على حماية الدرعية حاضنة هذا الحلم السياسي، ولأجل ذلك عقدوا المعاهدات المتعلقة باستتباب الأمن والأمان مع قبائل نجد وأمراء بلدانها. يذكر بن جريس أن فكرة إنشاء الدولة كانت واضحة منذ وقت مبكر جدًا، وأن إبراهيم بن موسى كان يلقب بأمير نجد، ولهذا توزع أبناؤه في البلدان، ولم يرتبط أحد منهم بالقوى المجاورة كي لا يقيدوا حلمهم السياسي بمصير دولة أخرى، فكانوا يريدونها دولة تقوم على أيدي أبنائها. هذا السلوك السياسي ونظام الحكم الذي انتهجه الأمير مانع المريدي وأبناؤه وأحفاده من بعده كوّن لديهم رصيدًا من الخبرات السياسية والإدارية المتراكمة خلال تلك الفترة الطويلة التي امتدت حتى تولي الأمير محمد بن سعود الحكم سنة 1139ه/1727م، والذي استطاع ترجمة هذه الخبرات والتجارب إلى إعلان ولادة الدولة السعودية الأولى. والدولة السعودية الأولى، هي أول كيان سياسي يُعيد للجزيرة العربية وحدتها وقوتها التي افتقدتها بعد خروج العاصمة الإسلامية عنها منذ النصف الأول من القرن الأول الهجري، وهي – أيضًا – العمق التاريخي للمملكة العربية السعودية، فالمملكة العربية السعودية هي ثمرة تلك الجهود التي بذلها أئمة الدولة السعودية الأولى خلال الفترة (1139- 1233ه/1727- 1818م)، إن الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية تعود بجذورها إلى مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود رحمه الله، وأيضًا المجتمع الذي تتكون منه اليوم المملكة العربية السعودية هو امتداد لذلك الجيل الذي أسهم في بناء الدولة السعودية الأولى خلال تلك الفترة. وقتها؛ كان الإمام محمد بن سعود في نهاية عقده الرابع قد انتهى من مراقبته للأحداث التاريخية ونظام الحكم في الدرعية، لذا نجح في بداية حكمه الانتقال بالدرعية من مدينة الإمارة إلى المدينة العاصمة للدولة السعودية والتي شملت أجزاء كبيرة جدًا من الجزيرة العربية. استغرقت مرحلة التأسيس والبناء الداخلي وقتًا كبيرًا من عمر الدولة السعودية ومؤسسها الإمام محمد بن سعود الذي أشرف على ذلك بنفسه طيلة الأربعين سنة التي حكم فيها، ونجح في ذلك نجاحًا عظيمًا. فكان من ثمار جهوده تلك وتأسيسه لهذا الكيان السياسي القوي، أن وجد فيه الملك عبدالعزيز رحمه الله مستندًا تاريخيًا في مسيرته السياسية الناجحة خلال مرحلة بنائه للمملكة العربية السعودية. فرحم الله الإمام محمد بن سعود وأبنائه وأحفاده من بعده، ورحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأبنائه أصحاب الجلالة من بعده، وأمدّ في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله بعزه ونصره وتمكينه، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه، ودمت يا وطن الشموخ في أمن وأمان. د. نايف بن علي السنيد الشراري أستاذ مشارك في تاريخ المملكة العربية السعودية