إن الاعتناء بلغة الطفل وتجويدها من الأمور التي تستحق التنبه لها، ومتى ما أصلح المعلم بداية اعوجاج لسانه، وأقام ألفاظه فكانت سليمة نقيّة، كان انعكاس ذلك على صحة منطوق طلابه. لماذا نعتني باللغة؟ نريد بذلك تقريب الطفل من لغة القرآن، لئلا تكبر الفجوة بينه وبين العربية، فعليه مزاولتها والاعتياد عليها. في هذا المقال سأعرِّج على أوجه الاعتناء باللغة: كُن قدوة: العلاقة طردية، كلما تحسّنت لغة المعلم، تحسّنت لغة طلابه، خاصة إن كانوا أطفالًا، النصيحة الذهبية: لا تخلط لهجتك المحلية البحتة أثناء درسك، وإنما الجمع بين الفصحى والعامية أمر حميد. ولا بأس بأن تحدّث طفلًا بلهجته كالسورية أو المصرية وقد فعلتها شخصيًا، حتى كوّنا أرضية مشتركة، فصرتُ أحدثه بالفصحى وسهُل عليه الاستيعاب. القدوة أيضًا تستعمل الضمائر استعمالًا سليمًا، فقل: خالد وأحمد استعدا، ولا تقل استعدوا، الأمرُ ليس بتعقيد الأمور وإنما إلف الطفل واعتياده على سماع التراكيب المختلفة، وبشكلٍ واقعي فإني لم أكن أستخدم ذلك طوال الوقت، وإنما لبعضه. المقصد ألا تبدو العربية بكل تراكيبها غريبة، وإنما مألوفة قريبة. اعتنِ بمخارج حروف بعض الكلمات التي تظن بأنها صحيحة، كثر من يخلطون بين السين والصاد؛ على سبيل المثال فيلفظون "سيارة" ب "صيَّارة". الأمر الآخر، إذا قال لك الطفل "ذهبتُ للمُستفَّى" يقصد بذلك المُستشفى، أعد ما قاله على شكل مقاطع لتيسر عليه فهم مقاطع الكلمة، فتقول: "ذهبتَ للمُس تش فى"، وبشكل عام فإن إعادة الكلام خلف كل طفل من مؤكدات تحسين لغة الأطفال في حالة استقامة لغة المعلم وانضباطها. تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة: مع كثرة المشتتات وسرعة الزمن الذي نحنُ فيه، ضاعت منا مسميات الأشياء فاستُبدلت الأسماء بالإشارة إليها بهذا وذلك، مما أدى لضعف مهارة استدعاء مسميات الأدوات والأشياء في الوقت المناسب، والأمر يتحسّن بالدُّربة والمران، وكلما كان المعلم على اطلاع بالمسميات الصحيحة، لا يرضى بالمسميات المعروفة، بل يحاول جاهدًا لإحياء اللفظة الصحيحة وإن بدت مُستهجنة. تجد الطفل مثلًا في حالة سروره يستعمل مفردة واحدة "سعيد" لكونه لا يعرف غيرها، ففي حال اندهاشه يعبّر بأنه سعيد، وفي حال رضاه واستقرار حالته الشعورية؛ يعبّر بأنه سعيد أيضًا! لكن سيبدو الأمر مختلفًا لو سمع من معلمه ألفاظًا أخرى؛ على غرار مبتهج، مسرور، مستمتع، راضي. أذكر أن طفلة عند سماعها لاسم القارئ عبد الباسط أشارت لفمها وقالت يعني مبسوط- وتعني بأنه مستمتع- هي تقرر، ولم تكن تسأل! على عدة أيام صححنا معنى اللفظة، وشرحتُ لها فيها معنى الله الذي يبسط الرزق، والذي جعل الأرض بِساطًا. ومن صور الاعتناء؛ أن يعرّب المعلم الألفاظ التي اعتدنا سماعها بالإنجليزية كقولنا " الويكند" فيستبدلها بعطلة نهاية الأسبوع، وجهاز الكمبيوتر بالحاسب. كنتُ أخبر أطفالي بأن هذه المفردة انجليزية ومعناها بالعربي هو هكذا، أريد بذلك لفت انتباههم لأن المقام لا يسع لتصحيح كل الألفاظ. وفي مرّة؛ وقت تناول الأطفال للوجبة، لعبنا لعبة تعلم الكلمات العربية، فصرتُ أقول لهم المفردة بالإنجليزية كما اعتدنا، ومن يعرف معناها بالعربية فليبادر، "شوز= حذاء" ثم قلت: "بانكيك" وفي الحقيقة لم أكن أعرف شخصيًا ترجمتها إلا بعد استعانتي بالكرتون الخاص بها، فقلت بأنها: " الفطائر المحلاة"، وكما قلتُ سابقًا ليس من واجبات المعلم أن يتحدث على هذا النحو طيلة العام الدراسي، لكن ظهور الحق بين يديه بين الفينة والأخرى أمر حميد. الحرص على الجُملة الكاملة: وهذا المستوى متقدّم جدًا، وغالبًا فإني استخدمه مع أطفال التمهيدي (5-6 سنوات)، والمقصود فيه هو تحسين الجواب أو الخبر المقدم من الطفل، بحيث يفرّق بين الكلمة والجُملة، فعندما أسأل: "أين ذهبتَ البارحة؟" فإذا قال: البحر، أجيب عليه: "هذه ليست جملة كاملة" وبحسب مستواه الإدراكي فإما أنه يعيد الكلمة ويصيغها في جملة، أو يحتاج لتذكير ومساعدة للصياغة. وحتى نعدّ هذه المهارة إعدادًا صحيحًا، علينا الاعتناء بمهارة الوصف، ولها طرائق كثيرة، ويجد الأطفال فيها أُنسًا وتسلية، كأن يحضر المعلم صورة لمظلة، ويطلب من الطفل الأول وصف الصورة، فيقول لونها أحمر، يطلب من الأخر أن يصفها، فيقول حجمها كبير، ويطلب من الثالث أن يجد وصفًا مغايرًا، ثم يجمع المعلم الأوصاف ويقولها في جملة كاملة صحيحة. ومن صور تنمية مهارة الوصف هو سؤال الطفل عن رسمته بعد انتهائه منها، أو بعد انتهائه من أي عمل، كالبناء من المكعبات فسؤال المعلم: "ماذا بنيت؟" يعينه للبدء في الكلام والوصف، ولمزيد من الاعتناء فإن الدخول في تفاصيل عمل الطفل يحفّزه للكلام، كأن تقول: "لماذا تبدو هذه البنت سعيدة؟" أو: " أرى أنك وضعت أسوارًا في بناءك، لماذا يا ترى؟". موجز القول، اللغة هي الوسيط بينك وبين طفلك، بها تعلّم وتوجّه، وبها يُحدث التغيير، لا تستهن بأثر الكلمة. وزِن كلماتك قبل نطقك بها، وما تقوله اليوم، تجد ثماره في الغد القربب، فلا تتعجّل. إيناس حسين مليباري جامعة الملك عبد العزيز| مركز الطفولة [email protected]