تفيد إحصائية نشرت على شبكة الإنترنت بأن الدول العربية تخصص وقتاً كبيراً للغة العربية في مناهجها الدراسية، فالمناهج المصرية تخصص في السنوات الست الأخيرة من التعليم العام (من الصف الأول متوسط إلى الصف الثالث الثانوي) 1290 حصة، بينما تخصص المناهج السورية للمدة نفسها 1152 حصة، وتخصص المناهج السعودية 1080 حصة، في حين تخصص المناهج البريطانية على سبيل المثال كدولة أوروبية 576 حصة للغة الإنجليزية في المدة نفسها. والأمر نفسه تقريباً بالنسبة للدول الأوروبية الأخرى. ومع وجود هذا الاهتمام باللغة العربية في مدارسنا يلاحظ أن هناك ضعفا شديدا في التحدث باللغة العربية في شتى المجالات، وبين جميع فئات المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي لغة التعليم والتعلم في المدارس على امتداد الوطن العربي، وهي لغة الكتب والمجلات والصحف، كما أنها لغة نشرات الأخبار والمؤتمرات والمناظرات، وهي أيضاً لغة الكثير من البرامج في الإذاعات والتلفاز على امتداد الوطن العربي. لذا، فإن إتقانها استماعاً وتحدثاً وقراءة وكتابة ضروري من أجل التعلم وتحقيق التقدم الحضاري، والإبداع الفكري والثقافي، إلا أن هذا يبقى في مجال الأحلام والأمنيات فقط، ومن المؤكد أنك يمكن أن تشاهد العشرات والمئات من الشباب المتخرجين في الجامعات لا يجيدون التحدث باللغة العربية. ويرجع الخبراء عدم رغبة الكثيرين في القراءة العامة، التي هي مرجع أساسي لتعلم اللغة العربية كمراس، إلى الأساليب الخاطئة في تعليمها في المدارس والجامعات. أما الطريقة الصحيحة لإتقان اللغة العربية فيعتقد خبراء اللغة العربية أنها يجب أن تكون منذ بداية تعلم الطفل النطق، وإن كان هذا الرأي فيه الكثير من المبالغة، إلا أنه يمكن التنازل عنه وإرجاء العملية إلى دخول الطفل إلى الروضة كحل أساسي ومهم، لأن الطفل في هذه المرحلة يتمكن من حفظ ما يأتيه، ليس من لغة واحدة، بل من عدة لغات، والتجارب كثيرة في هذا المجال، ولسنا هنا بصدد إحصائها. تجربة الدكتور الدنان للدكتور عبدالله الدنان تجربة في هذا المجال، حيث بدأ بتطبيق النظرية على ابنه (باسل)، وكان عمره سنة واحدة، وكان يكلمه بالفصحى، بينما كانت والدة باسل تكلمه بالعامية، وبعد فترة بسيطة أتقن باسل المحادثة بالعربية المعربة (يرفع وينصب ويجر دون خطأ)، كما أتقن المحادثة بالعامية وعمره 3 سنوات. وحديثه مسجل على شريط فيديو يمكن مشاهدته، وعندما أصبح في الصف الثاني الابتدائي كان قد قرأ 350 كتاباً من كتب الأطفال. بعد نجاح هذه التجربة كرر الدكتور عبدالله الدنان التجربة نفسها مع ابنته (لونة)، التي تصغر باسلاً بأربعة أعوام، فأتقنت الفصحى والعامية مثل باسل تماماً. ثم انتقل إلى التطبيق الجماعي في رياض الأطفال، ونجح نجاحاً مناسباً، وإن كان في روضات نائية. تجربة كويتية نموذجية في عام 1988م تأسست بالكويت روضة نموذجية، يتحدث الأطفال فيها باللغة العربية، وهدفت الحضانة إلى تعليم اللغة العربية الفصحى للأطفال بالفطرة والممارسة، فاعتمدت اللغة العربية الفصحى لغة وحيدة للتواصل طوال اليوم الدراسي داخل الصف وخارجه. ونجحت الفكرة نجاحاً هائلاً، وبدأ الأطفال يتحدثون بالفصحى بعد أشهر من بدء التجربة، وكتب عن دار الحضانة العربية عدد من الاستطلاعات والأخبار الصحفية، وكلها تؤيد الفكرة وتؤكد نجاحها. وحسب أخبار نشرت على شبكة الإنترنت فقد شوهد الأطفال (تسجيل على أشرطة فيديو) وهم يتحدثون بالعربية الفصحى أمام وزير التربية الكويتي آنذاك أنور النوري. انتقال التجربة للمملكة ولعل هذه التجربة انتقلت إلى دول أخرى منها المملكة، حيث رحب المسئولون على أعلى المستويات التعليمية بها، وهناك محاولات جادة لإقرارها، لكن المسألة تحتاج وقتا ربما يكون طويلاً، وذلك يحتاج لبث القناعات داخل القنوات التعليمية المختلفة، وبالتحديد يحتاج الأمر في البداية إلى توعية القائمين على التعليم في رياض الأطفال (المعلمات والمديرات وكل منسوبات الروضة). وبالطبع قبل كل ذلك وبعده قناعة اجتماعية عامة، بحيث يقتنع الجميع بجدوى هذا المشروع الهام. وتوضح بعض الإحصائيات الخاصة، التي لم تنشر بشكل رسمي أن بعض المعلمات يلاقين صعوبة كبيرة في تعلم النطق باللغة العربية الفصحى، رغم أنهن يخضعن لدورات مكثفة في هذا المجال، ورغم أن بعضهن لديهن شهادات وتخصص في اللغة العربية، إلا أن النطق باللغة العربية ليس كحفظها وإتقان قواعدها، ويرجع السبب في ذلك في غالب الأحيان إلى طغيان اللهجة العامية على اللغة الفصحى. معوقات تواجه التطبيق إلا أن هناك أسباباً أخرى كثيرة، أهمها عدم تقبل المجتمع (الأب، الأسرة، الأقارب والأصدقاء) هذه الفكرة، فحينما يرون الطفل يتحدث اللغة العربية الفصحى في المنزل فإنهم يسخرون منه، أو لا يعيرونه اهتماما، بل قد يصفونه بالمعقد، أو الإنسان المتكلف على أقل التقادير، الأمر الذي يبعث السأم وعدم الثقة بالنفس بالنسبة للطفل المتحمس للتحدث بلغة فصحى سليمة. هل هذا التصور صحيح؟ أم أنه ضرب من الخيال والرجم بما لا نعلم؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال وغيره نجدها في هذا التحقيق، زاعمين أن هذا التحقيق لا يقدم حلاً شاملاً، وإنما هو محاولة لإيصال صوت (اللغة العربية الفصحى) لكل الناس، لعله يكون يوماً ما حديث الجميع، فهل نبلغ؟ تجربة منصور السيف في البداية يقول منصور السيف (صاحب تجربة في اعتماد اللغة العربية الفصحى في رياض الأطفال): عندما فكرنا في تطبيق برنامج اللغة العربية الفصحى في الروضة، كنا نشعر بالحذر، إذ واجهنا طبقتين من الناس، بين متقبل ورافض، لكن المتحمسين للبرنامج كثيرون.. مضيفاً: عارض البعض الفكرة، ظناً منه أننا سنعلم الأطفال متن الإجرومية أو شرح ابن عقيل، الأمر الذي جعلهم إما يرفضون الفكرة من الأساس، أو يتخوفون منها. ويضيف السيف: بمجرد بسط الآلية والتحدث معهم بطريقة علمية تتحول الإشكالات إلى إعجاب وحماس للبرنامج. مراهنة على النجاح وعن توقعه لتطبيق البرنامج قال السيف: طموحنا كبير جداً، نحن نراهن على الوصول إليه، ولو بعد فترة طويلة.. مؤكداً إن طموحهم أن تتحول الروضة بكل من فيها إلى بادية للفصحى، وهذا يستدعي أن يتكلم كل من في الروضة الفصحى.. مشيراً إلى أن المقدار الذي وصلوا إليه هو أن كل المربيات والإداريات يتكلمن الفصحى، رغم بعض العثرات والأخطاء في التشكيل، ولهذا كانت النتائج إيجابية واضحة على الأطفال الذين تحدثوا الفصحى بعد فترة من بداية الدراسة حتى ان الطفل صار لا يغفر للمربية أن تتحدث العامية، كما أنه يصحح لأهله في البيت فيكون مثاراً للإعجاب! وأكد السيف أن هناك طلبات كثيرة تصلهم من جهات مختلفة، بعضهم خطباء وبعضهم مدرسون ومدرسات، يرغبون في تعلم اللغة العربية الفصحى، تحدثاً ونطقاً.. مضيفا: في الآونة الأخيرة وصلت لنا طلبات من كتاب وأدباء.. مشيراً إلى أنهم تمكنوا من تلبية طلبات الكثير منهم، وإن كان بشكل محدود، لأن التركيز طوال الفترة السابقة كان على رياض الأطفال، حيث يتضمن البرنامج مربيات خريجات لغة عربية. وقد أوضح بعض هؤلاء بعد انتهاء الدورة أنه رغم تخصصهن في اللغة العربية، إلا أنهن كن حسب تعبير السيف كمن يتيه في صحراء، وبعد الدورة عرفن اللغة العربية كبناء متكامل، واضح في الذهن وجاهز للاستخدام. الدارسات يؤكدن النجاح وأكدت الكثيرات ممن درسن المنهج إنه رغم طول الدرس (ساعة ونصف الساعة)، إلا أنه يحمل الكثير من المتعة، وأن الوقت يمر سريعاً، لما يحتويه من برامج تطبيقية بعيدة عن الروتين الممل في التدريس. وقالت إحدى المربيات، التي مر على تركها الدراسة قرابة 23 عاماً، إنها شعرت بأن مادة اللغة العربية الفصحى بهذه الطريقة ممتعة جداً، وقربتها من أسرار اللغة العربية، ومكنتها من استرجاع معلوماتها بسهولة والاستفادة منها. ويذكر السيف أن هذه المعلمة حصلت على درجة الامتياز في الامتحان النهائي. المتابعة ضرورية إلا أن الأمر الأصعب في المسألة هو المتابعة بعد تنفيذ الدورة، يقول السيف: الأمر يحتاج إلى متابعة ميدانية، مما دعانا لاستحداث دور المشرفة، فهي تقوم بدور الإشراف الميداني على البرنامج وعلى المربيات، ومراقبة تأثيرات البرنامج على الأطفال، ومهمة المشرفة تتمثل في تشجيع المربيات على أداء دورهن بالطريقة المطلوبة، وكذلك متابعة إذا كان البرنامج يمشي في طريق صحيح، بحيث انه قد تفهم بعض الخطوات بشكل خاطئ، الأمر الذي قد يحدث إرباكاً في فهم البرنامج، ولذلك سعينا الى أن تكون هذه المشرفة هي المحك الرئيسي في إيصال الأفكار التي نسعى لتحقيقها بحذافيرها. تجربة لم تطبق ورغم أن البرنامج لم يطبق في الكثير من رياض الأطفال بشكل رسمي، إلا أن هناك بعض الرياض سعت من أجل أن يطبق عليها. وفي المنطقة الشرقية وحدها هناك ما لا يقل عن 10 رياض بين خاصة وحكومية في الدمام، الخبر، صفوى، سيهات، أم الحمام والثقبة وغيرها من المناطق، كما أن هناك بعض الرياض التي تسعى لتطبيقه بشكل اجتهادي من قبل المديرة نفسها، حيث تحاول أن تعطى بعض الدروس وبعض التطبيقات في التحدث باللغة العربية الفصحى، ورغم أن هذه الطريقة غير مجدية، إلا أنه يمكن حسابها إذا وضعنا بعين الاعتبار النظرة المستقبلية. كما أن هناك مركز الضاد لتعليم اللغة العربية الفصحى، الذي يوجد له موقع على شبكة الإنترنت، وربما يعتبر هو الموقع الوحيد على الشبكة المتخصص في هذا المجال، وقد أخذ المركز على عاتقه نشر فكرة الدكتور عبدالله الدنان لتعليم اللغة العربية الفصحى بالفطرة والممارسة، ولعله يعتبر المركز الوحيد الذي يطبق هذه الفكرة في المملكة مع رائد تعليمها الدكتور الدنان بشكل متواصل، حيث ان هناك من يطبقها، إلا أنه بشكل غير منتظم. وعندما زار الدكتور الدنان المملكة، وضمن جولته للترويج لفكرته، أقام محاضرة تعريفية بالبرنامج في الغرفة التجارية بالشرقية، وشرح أفكاره عبر وسائط متعددة، من ضمنها أشرطة الفيديو ومنشورات تعريفية بالفكرة والبرامج الأخرى التي تخدم فكرته، الأمر الذي أعطى ديناميكية لشروحاته، وسهل على المؤسسات المعنية الاقتناع بالفكرة، ومن ثم تبنيها. تجارب حقيقية وتقول نعيمة حمدان (مديرة روضة بصفوى) لا يكفي أن يطبق البرنامج في الروضة فقط، وإنما ينبغي أن ينتقل مع الطفل إلى المنزل، لكي تستمر ملكاته في النمو، ومفرداته في التثبت والحفظ.. مؤكدة أن قناة (سبيس تون) على سبيل المثال (مع وجود بعض السلبيات)، هي قناة مفيدة في هذا الجانب، وتعتبر عاملاً مساعداً للأطفال على استثمار هذه الملكة. وتضيف حمدان: الأمر هنا قد يرتبط بجانب آخر، هو أهمية تفاعل الأهل، فالكثير من الأهالي لا يتعاونون معنا، وذلك نابع من عدم شعورهم بأهمية تحدث الأطفال باللغة الفصحى، ويعتبرونها مجرد مادة تدرس في المدرسة، وهنا ينبع الخطأ، إذ أن أحد أهم أهداف البرنامج هو إحداث نقلة نوعية، من حيث تعويد الأطفال على التحدث باللغة العربية الفصحى منذ الصغر، بحيث انه عندما يكبر يكون قادراً على التحدث بها بسهولة، أما إذا تحدث بها في الروضة، وتخلى عنها في الأماكن الأخرى مثل المنزل، فإن الفائدة ستكون غير مرجوة. وتشير حمدان إلى أن التطبيق للبرنامج لابد أن يكون جدياً، ولا يحتمل التهاون، وبالنسبة لهم يحاولون تطبيقه في جميع الأوقات، وليس فقط وقت الدرس، فمثلاً في أوقات الترفيه أو الفسحات وحتى عند حضور الأمهات للسؤال عن أبنائهن، كما يحاولون جعل الأطفال يتحدثون معهم باللغة الفصحى، تقول: هذه هي الطريقة الصحيحة، في إشارة إلى أن التهاون وجعل الأمر ترفيهياً يقلل كثيراً من فرص النجاح. الأهل ضد المشروع وتؤكد مشاعل الدوسري (معلمة في روضة خاصة) أن المسألة تعتمد بشكل رئيسي على الأهل اعتمادا كبيرا.. تقول: إذ أن الروضة تمارس أو تحاول أن تمارس دورها بشكل كامل، إلا أن الأهل قد يفشلون المخطط، بعدم تعاونهم، ورغم أن روضتنا لا تطبق البرنامج بشكل كامل، إلا أننا نحاول أن نتحدث مع الأطفال باللغة الفصحى، حتى إذا ما جاء البرنامج بشكل رسمي لرياضنا فإننا جاهزون لتطبيقه.. مضيفة: انني بشكل شخصي أحب اللغة العربية الفصحى، وأشعر بالسعادة، وأنا أحاول تطبيقها مع الأطفال. وتضيف الدوسري: الأطفال هم الخامة الجيدة لتعليم الفصحى، إذ أن الكبار لديهم عقدة تجاه التحدث بالفصحى، وقد يكون الأمر ناتجا عن سوء تعليم الفصحى في المدارس، فضلاً عن عدم توافر البيئة الصالحة والأجواء المناسبة، سواء في البيت أو في الملعب. الاستهزاء والسخرية ويؤكد حبيب محيف هذا الأمر، مضيفاً: هناك مشاكل كثيرة تعترض تعليم الأطفال اللغة الفصحى، أهمها سخرية البيئة المحيطة به، حيث ان الطفل عندما يرغب في التحدث بالفصحى في منزله أو مع أصدقائه فإنه يواجه بالسخرية والاستهزاء، وهذا الأمر يصيب الطفل بالإحباط الشديد، ربما أكثر من عملية الرسوب في الامتحان، لأن الطفل يثق في محيطه الأسري، ويعتقد أنهم الأشخاص المناسبون لإرشاده. ويرى محيف أن بيئة الطفولة هي بيئة خصبة لتلقي رسالة التعليم، أكثر بكثير من المدارس الابتدائية أو أي مرحلة أخرى، لما يمتلكه الطفل من مواهب وقدرات وبيئة نظيفة لاكتساب المهارات اللغوية.. مؤكداً أن الدراسات العلمية تشير إلى أن الطفل في مرحلة ما دون الخامسة قادر على تعلم أكثر من لغة فما بالك بلغته الأصلية؟ ويشير محيف إلى أن الروضة في جمعية سيهات، ورغم أنها لم تطبق البرنامج سوى شهرين في العام الماضي، إلا أن التجربة تعد ناجحة بعدة مقاييس، حيث شهدنا الكثير من الأطفال، وهم يتحدثون بطلاقة، ولديهم الجرأة الكافية للتحدث في أماكن مختلفة، وليس في مقر الروضة فقط، كما أنه لمس من المربيات تطوراً ملحوظاً. تقويم لسان المعلمة وعن أهمية القناعة قال: الجمعية مقتنعة تماماً بالبرنامج، ولديها اعتقاد بأن تعلم اللغة الفصحى أمر ضروري، وعلى الجمعية كمؤسسة فاعلة في المجتمع أن يكون لها دور بارز في هذا الشأن. أما المعلمات فلا يكتفى بشهادتهن فقط، وإنما ينبغي أن يكون لهن نصيب وافر من التدريب والمهارة في تعليم اللغة الفصحى. ومن الأمور التي نسعى إليها يضيف قائلاً تقويم لسان المعلمة، باستخدام الفصحى، وكذلك التقليل من كلمات اللهجة العامية، وإذا كان كما في بعض الحالات متعسراً لفظ الكلمة الفصحى، أو عدم تلقي الطفل لها، فيمكن الإشارة هنا إلى كلمة سمين، فإن أحد الأطفال لم يستطع الانسجام معها، لأنه يعرف أن الشخص السمين يدعى (دبدوب) في التعامل اليومي، فهنا ينبغي اللجوء إلى كلمات فصحى قريبة من العامية. التطبيق في الابتدائية ويقول عبدالكريم الثواب (مشرف برنامج تعليم اللغة الفصحى في روضة الجش الخيرية): هناك ردود فعل إيجابية من قبل الأهالي، وتأتينا اتصالات كثيرة منهم، وغالبيتها ثناء على المشروع، مما يدفعنا خطوات إلى الأمام في تطبيق البرنامج سنة بعد أخرى، وعدم التخلي عنه، لما يحققه من ثمار طيبة لصالح المجتمع. ويؤكد الثواب أهمية التواصل بين البيت والروضة، والتأكيد على أهمية متابعة الأهل لما يدرسه الطفل، كما أن التحدث معه في البيت بالفصحى له وقع طيب، ويؤدي إلى تشجيع الطفل وإعطائه دفعة قوية لممارسة الفصحى أينما ذهب. إلا أنه يشير من جهة أخرى إلى أن البرنامج خلال السنوات القادمة يجب أن يطبق في المدارس الابتدائية، ويمكن أن يطبق بالتدريج في الصفوف الدنيا أو حتى في الصف الأول فقط.. مشيراً إلى ان الطفل إذا درس في المدرسة 6 سنوات دون ان يتحدث بالفصحى، فإن ما تعلمه في الروضة سيتبخر خلال سنة واحدة. أما إذا طبق البرنامج بشكل صحيح في رياض الأطفال فإنه يحتمل أن يكون خلال 4 أو 5 سنوات يأتي ثماره، بحيث أن الطفل في ذلك الوقت يمكن ألا يتأثر باللهجة العامية، خاصة إذا توافق ذلك مع بيئة صالحة للمحافظة على لغته. يد واحدة لا تصفق وتصف عالية فريد (صاحبة روضة أطفال في صفوى): المشروع بأنه جميل ويستحق الإشادة، وترجع عالية المعوقات إلى أن المجتمع متعود على العامية.. مشيرة إلى أن المشكلة الرئيسية في مرحلة التخرج من الروضة، إذ أن الطفل سينسى كل ما درسه في الروضة، وكل ما تعلمه سيذهب في أول امتحان يقع فيه الطفل أمام لغته الجديدة (العامية). وتؤكد فريد أن الأمر يحتاج إلى جهود مضاعفة من قبل رياض الأطفال من جهة، ومن قبل البيت من جهة أخرى، لأن يدا واحدة لا تصفق، وإن كانت القابلية موجودة عند الطفل، إلا أن هذا الأمر لا يكفي. رغبة أكيدة وعجز نسبي ويصف فلاح الشمري (ولي أمر) تطبيق اللغة العربية في الروضة بأنه مفيد للأطفال، غير أنه يقول: نحن لا نستطيع التأقلم معه بشكل كامل، لأننا تربينا على مدى أكثر من 40 عاماً على التحدث بلهجة محلية، فضلاً عن أننا لم نواصل تعليمنا في المدارس.. مستدركاً: لكن لا يمكن أن نفقد الأمل في هذا الأمر، وسنتركه للأجيال القادمة، عندما يكبر أبنائي، ويكون لهم أطفال فعليهم أن يغتنموا الفرصة في تعلم لغة القرآن. آباء غير متعلمين ويؤكد فتحي السيهاتي هذا الأمر، مضيفاً: هناك جيل كبير من الآباء لم ينالوا حظهم من التعليم، ولذلك فهم غير قادرين على التحاور مع أبنائهم باللغة الفصحى، وفي المقابل هناك جيل آخر من الآباء ممن نالوا شهادات عليا في التعليم، فضلاً عن امتلاكهم ثقافة واسعة، ومقدرة على التحاور مع أبنائهم ومع الآخرين.. مضيفاً: إنهم فقط يحتاجون للمزيد من الوقت للتعامل مع الأمور باللغة الفصحى. ويشير السيهاتي إلى أن مسألة بهذا الحجم لا ينبغي أن تعالج بالاستسهال والتسرع، وإنما يجب أن تعطى فرصة كافية لتأخذ مجالها في المجتمع، إذ أننا ظللنا على مدى عشرات السنوات نتحدث بالعامية المحلية، ثم إننا نرغب في طفرة خلال سنة أو سنتين لينقلب الأمر كلياً! لا نريد معقدين وتختلف عائشة القحطاني نوعاً ما مع هذا الرأي، قائلة إننا نريد أن يتحدث أبناؤنا باللغة العربية الفصحى، ولكننا في نفس الوقت لا نريد أبناء معقدين يتحدثون الفصحى كما يتحدث أصحاب القرون الماضية، وربما لجأوا للقواميس والكتب التراثية، أو حفظوا اللغة الفصحى كما يتحدثها ربابنة اللغة. وتؤكد القحطاني أنها ما زالت بعيدة عن هذا الأمر، كونها لم تنجب أطفالاً بعد، ولكنها كمسألة مصيرية مستقبلية تخشى على أولادها من أن يكونوا محنطين كما تشاهد في بعض المسلسلات التاريخية! المسلسلات التاريخية ويشير جلال آل جمال إلى أهمية المسلسلات التاريخية في الحفاظ على اللغة من ناحية واحدة، وهي أن الأطفال يحبون مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ويتأثرون بالأبطال بسرعة تفوق التصور، ولذلك فإن مهمة القائمين على هذه البرامج الالتفات إلى هذه النقطة.. مستدركاً: لا يمكن التعويل على هذا الجانب، إلا أنه يمكن الاستفادة منه، إذا ما أحسن استخدامه. وبين الآمال والطموحات تبقى مسألة التطبيق خاضعة للوقت، وليس من الحكمة أن نحكم على برنامج مدته سنة أو سنتين، في عالم ملىء بالثغرات والعقبات التي تعترض طريقه، وحتى مع وجود الرغبة الأكيدة من قبل الجميع، فإن هذا لا يكفي، وعلينا أن نتريث وننتظر سنوات عدة ، حتى نجني بعض ثمار ما زرعناه، لا أن نكون متعجلين، فالعجلة في هذا الأمر قد تصيبنا بالإحباط، فعالمنا العربي لديه جرعات كبيرة منه، كافية ربما لتدمير أعتى المشاريع قوة. يشعر الطفل بالإحباط إذا لم يلق تجاوبا من الأسرة التحدث باللغة الفصحى في البيت أيضاً