بسم الله. بعد أن تطرقنا في المقالة السابقة إلى مفهوم الحقوق وبيان معناه، جدير بنا بعد ذلك أن نتحدث عن الأنواع والصور التي تعد من الحقوق, واللافت للنظر هو ذاك الاختلاف بين فكر علماء الشريعة والقانون في تباين التقسيم والتنويع, فالناظر لتقسيم علماء الشريعة الإسلامية يجد مراعاة جانب حقوق الله في التقسيم وليس ذلك عند علماء القانون, وما كان هذا الامتناع من علماء القانون إلا لوجود النظرة الدنيوية شبه المحضة لديهم, والمتأمل للسبب الحقيقي الذي يدور خلف تلك النظرة يجد أساسها يكمن في تأسيس هذا العلم من قبل علماء ليسوا على الدين الإسلامي, فغابت عنهم الأدلة القدسية والقواعد العلوية والأصول القطعية, وعلى هذا يجب المزج بين حقوق الله وحقوق العباد عند توزيع الأنواع للحقوق, وليدخل في القانون ما كان من حقوق الله مما يدخل في إطار القانون, ولتكن الزكاة التي تجبر الدولة مواطنيها التجار على دفعها من قبل مصلحة الزكاة والدخل مثالا على حقوق الله. ولن نسرد هنا أنواع الحقوق حصرا فليس هذا محله, ولكن سنشير إلى أبرز أنواع الحقوق, ونبدأ بالحقوق السياسية التي يراد بها: الحقوق التي تقرر وفقاً لأحكام وقواعد القانون العام لمواطني دولة معينة, ليتمكن الشخص من المساهمة في حكم بلده وإدارة شؤونه, وعليه فلا يتقرر هذا الحق إلا لمواطني البلد دون غيرهم, ويمثلون على هذه الحقوق بحق الشخص في تولي الوظائف العامة وحقه في الانتخاب, ومما يجدر التنبيه له هنا أن إقرار حقوق للمواطن دون غيره مما يعني تمييزه بالحقوق هو أمر فيه خلاف بين فقهاء الشريعة ولا خلاف فيه بين فقهاء القانون, ولعل سبب الاختلاف عند علماء الشريعة الإسلامية يعود إلى أن حق المواطنة يقرره جمع من الفقهاء بموجب الدين, فكل مسلم يعد مواطنًا في البلاد الإسلامية, ويلحق به الذمي, وعلماء القانون يقررون المواطنة بموجب شروط تعود إلى مكان نشأة الشخص ومكان ولادته وعرقه. ومن الحقوق أيضا: الحقوق المدنية وهي التي تثبت للإنسان بحكم انتمائه للمجتمع البشري, وتقرر لكل إنسان سواء كان من المواطنيين أو الأجانب, وتهدف إلى حماية الإنسان وحرياته, وتوافرها يعد ضرورة لكي يتمكن الإنسان من مزاولة الأنشطة المختلفة في داخل المجتمع, ويدخل تحت هذا النوع من الحقوق، الحقوق اللصيقة بالشخصية والحقوق الخاصة, وفي الحقوق اللصيقة بالشخصية نجد حق الشخص في حماية كيانه المادي بمنع بقية أفراد المجتمع وسلطاته من الاعتداء غير المبرر على هذا الحق, ونجد أيضا حق الشخص في حماية كيانه المعنوي فيتقرر للشخص الحق في حماية الاسم والصورة والحق في حماية الكرامة والشرف والسمعة والحق في حرمة الحياة الخاصة والحق في السرية, ونجد أيضا حق الحرية الشخصية من حريته في اختيار المسكن وإقامته وحرية التملك وحرية التنقل والحق في التقاضي وحرية العمل وحرية التعاقد, وفي الحقوق الخاصة التي تهدف إلى حماية المصالح الخاصة ذات الطابع المالي وغير المالي (حقوق الأسرة). وإن اتفق علماء الشريعة الإسلامية وعلماء القانون على كثير من الأصول إلا أنهم اختلفوا في بعض جزئيات الحقوق المدنية, فمثلا اختلفوا في مدى الحرية الممنوحة للشخص, فنجد أن القانون يوسعها من جانب ويضيقها من جانب, وكذلك علماء الشريعة الإسلامية, ومكمن الخلاف هو النص, فالنص الشرعي يقيد ويوسع علماء الشريعة الإسلامية, والنص القانوني والأصول القانونية توسع وتضيق علماء القانون. وأختم حديثي بالقول: إن قداسة النص الشرعي ونزاهته من الخطأ ومرجعيته للنصوص القانونية ترفع من شأن القانون ليكون في مرحلة متقدمة أمام القوانين الأخرى في جودته وعلو كعبه, بشرط حسن الصياغة وجودة الاستنتاج وسلامة التأصيل وعدم الخروج عن الأصول العلمية لعلم القانون. وصلوا على النبي المختار د. تركي بن عبدالله الطيار [email protected]