صهيب طفل مرتب وأنيق، تحبه والدته وتعطف عليه دائماً، ولا تتردد في تأمين ما يحتاجه حتى لا يشعر بالنقص أمام أقرانه. تغلب عليه فطرته في قضاء جُل وقته بين ألعابه الإلكترونية على جهازه الذكي، والتي كون من خلالها أصدقاء حول العالم، ولا يكاد ينفك منها يومياً إلا على صراخ والديه وربما بإجباره قصراً على إغلاق هاتفه كي يستيقظ لمدرسته مبكراً. لعل الطفل صهيب – في هذا الزمن – يعيش في معظم بيوتنا، مع تفاوت في سبق الإصرار والترصد للفوز بفرص وساعات يقضيها على جهازه يتنقل بين مغرياتها ومواطن الإثارة فيها، مع ضعف في المتابعة والتوجيه. ولأن هذه هي طبيعة الأطفال في البحث عن ما يشبع حاجاتهم وفضولهم الذي لا ينتهي، كان لزاماً علينا أن نبحث عن ما يصرف جزءاً من تلك الطاقات فيما ينفعهم ويستثمر فراغهم ويحقق لهم شيئاً ذا قيمة في المستقبل، ويحفظ عليهم صحتهم وحيويتهم. وبدلاً من التنظير دعونا نبدأ في خطوات عملية مع أبنائنا ونجلس معهم ثم نجلس معهم ثم نجلس معهم كثيراً، ونغوص في داخلهم للبحث في ميولهم ورغباتهم، ونقتطع وقتاً من الأوقات التي نصرفها في اللوم والضجر من الحال، فهم أيضاً -أعني الأبناء – يشعرون بأنا نضع العراقيل دائماً أمام تسليتهم ومتعتهم. فإذا استطعنا أن نحدد ميولهم فإنا بذلك نكون قد وضعنا القدم في الاتجاه الصحيح، ومع الممارسة تتضح الميول أكثر فأكثر، ثم نبدأ بالخطوة الأخرى وهي أن نهيئ لهم البيئة المناسبة والاحتياجات اللازمة لبدء ممارسة الميول والمواهب، وسيجدوا فيه مع الوقت متعتهم وتسليتهم، ويتخلوا تدريجياً عن ما كانوا يقاتلون من أجله. وبهذه الطريقة نكون قادرين – بإذن الله – على توجيه جزء من تلك الطاقات إلى ما ينفعها، ونرتقي بآمالهم وتطلعاتهم إلى الطموح ومعالي الأمور لبناء أنفسهم أولاً، ثم أوطانهم ومجتمعاتهم، وفي الجانب الآخر نخلق بيئة إيجابية محفزة ومستقرة في داخل بيوتنا. وإنه لشيء مؤسف عندما نشاهد بعض الأسر قد أطلقت العنان لأبنائها على تلك الأجهزة، للتخلص من صخبهم وإزعاجهم، فتراهم يقضون الساعات الطويلة بلا رقيب، وربما كانت سبباً في يوم من الأيام لتوجيه سلوكهم إلى ما يعود عليهم وعلى أسرهم وقيمهم بالضرر وحينها لا ينفع الندم. أبنائنا أمانه في أعناقنا، وهم يشكلون مستقبل أوطاننا، وطاقات كبيرة لم تستثمر كما ينبغي، فكان لزاماً توجيه تلك الطاقات والمواهب في ما يعود عليها بالخير والفائدة. يسرني جميل تواصلكم m2025a@