ملل.. "طفش".. لا يوجد جديد؛ كلمات تتردد بشكل يومي من الأبناء والبنات بمختلف ميولهم وأعمارهم، رغم توفر وسائل ترفيه داخل منازلهم، مثل الألعاب الإلكترونية "البلاي ستيشن"، أو خدمة "الانترنت". وتبقى الأسر حائرة أمام محاولة توفير وسائل ترفيه إضافية، مما قد يشعر الآباء بالتقصير، فيلجؤون لاستئجار "الشاليهات"، أو السفر إلى دول تتميز بمناطقها الترفيهية، إلى جانب صرف مبالغ طائلة على شراء الهدايا في المناسبات، بغية تحقيق هدف الترفيه للأبناء، ليجد الوالدان أنفسهم في نهاية المطاف بأن غاية الترفيه لم تتحقق وأن كل من حولهم يصيح "طفشانين"!. ملل وطفش يقول "د. صالح الدبل" عضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية، إن وسائل الترفية في الوقت الحاضر متاحة ومتوفرة في كل منزل، بدءاً من الألعاب الإلكترونية أو الاتصال بالإنترنت، ولكنها تقتل الوقت، فالفرد يجلس لساعات طويلة على العاب "البلاي ستيشن" وخصوصاً الأطفال والشباب، ولكنهم من الداخل غير مستمتعين بما يمارسونه، فيشعرون بالضجر ويحاولون العودة إلى أي وسيلة ترفيهية أخرى، بعد أن يتسرب الملل داخلهم. الإنتاج من خلال الترفيه وأشار إلى أن الوسيلة الترفيهية المناسبة؛ هي تلك التي تجعل الناس يستمتعون وتشعرهم بالإنتاج، فالاستمتاع دون إنتاج يشعر الباحث عن الترفيه بأن هدفه لم يتحقق، مضيفاً أنه على سبيل المثال إذا كان هناك برامج تسلية بالمنزل تؤدي في النهاية إلى إنتاج عملي أو فكري أو مادي، كأن توجد داخل البيوت مساحات صغيرة للرسم لعمل لوحات فنية يستعينون بها في تزيين الحائط، أو أن يقوموا بإعداد أطباق كالحلويات والفطائر يتشارك فيها الأبناء والبنات لبيعها في مناسبات خيرية، أو من خلال استعانة الوالدين بأبنائهما لعمل تصميم لغلاف كتاب، أو بحث، بالاستعانة بالبرامج الإلكترونية كبرامج "الفوتوشوب"، التي تعنى بالتصميم مقابل رمز مادي مع التقدير المعنوي، لافتاً إلى أن الإنتاج من خلال الترفيه يعتبر وسيلة مجدية ومبتكرة لجيل اليوم، في حال وجدوا الدعم من الأهل، وهي تعتبر نوعا من أنواع الثقافة الترفيهية، لأنه من خلاله سيتحقق للفرد متعة كبيرة. الأسر الفقيرة وأكد "د. الدبل" على أن وضع الأسر الفقيرة مليء بالهموم اليومية، وهي بأمس الحاجة إلى الترفيه في ظل ضعف المستوى التعليمي والمردود المادي، موضحاً أهمية دور الإعلام في توجيه هذه الأسر من خلال تبني "الترفيه الإنتاجي المنزلي" عن طريق عرضه في البرامج الصباحية، أو من خلال الرسائل النصية، بالإضافة إلى إقامة مسابقات تلفزيونية تكون بمثابة التشجيع لهم، ورغم مثالية الفكرة ومبالغتها إلا أنها قابلة للتنفيذ. "التنفيس" عن الأبناء ويوضح "د. سعد المشواح" أستاذ مساعد الصحة النفسية بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن تعريف الترفيه في مصطلح قوانين علم النفس هو "جلب المتعة وجلب مستوى متقدم من الصحة النفسية للأبناء، بأكبر قدر ممكن من الوسائل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتاحة"، بحيث يكون هناك قدر كبير من "التنفيس" للأبناء، مضيفاً أن من الأسباب التي تجعل الأبناء في حالة تذمر دائمة؛ هو عدم توفر فرص ترفيهية داخل المنازل، وذلك في الوقت الذي تمارس فيها الدور غير الحقيقي والمناط بها كأسرة، حيث تخلت عن دورها في التربية وتنمية هوايات الأبناء، وأصبح دور الأسرة مجرد الظهور أمام الآخرين بالمظهر اللائق اجتماعياً. ترفيه خاطئ! وأكد المشواح أن مفهومنا للترفيه يعتبر مفهوما خاطئا، وبالتالي أصبحت الأسباب التي نسعى إليها عديمة الجدوى، مما جعل مصطلح الترفيه غير واضح المعنى لمجتمع مقبل على بدايات التغير الاجتماعي بناء على التغير الحضاري الذي نعيشه، وأصبح هناك متغيران الأسرة والمجتمع، واللذان يمران بتغيرات حضارية متسارعة، مما أوجد خللا كبيرا بين تركيبتيهما، مشيراً إلى أن الأسرة لم تستطع الوصول إلى تعريف دقيق للترفيه حتى تستطيع توفيره لأبنائها، والتي عندما تقرر الترفيه فالقرار يكون للأبوين دون سؤال الأبناء في الذهاب للجلوس على شاطئ البحر، أو المتنزهات العائلية، أو السفر والذي من الممكن أن تكون صورته مغايرة للصورة التي يراها الأبناء مع أصدقائهم داخل المدرسة. طفلان يمارسان احدى الألعاب الالكترونية في المنزل الخلل التربوي والقناعة وقال "د. رامي الخضر" مدير عام مركز عالم بلا مشكلات للاستشارات الأسرية، إن سبب هذه المشكلة من الناحية التربوية والسلوكية هو الخلل في مفهوم واستراتيجيات الترفيه، مضيفاً أن الأسر الفقيرة لا تعرف شيئاً عن وسائل الترفيه، وربما لم يتسن لهم الخروج من محيط حارتهم (وليس السفر لخارج المملكة)، ومع هذا تجدهم أكثر سعادة وارتياحاً في منازلهم من غيرهم، موضحاً أن المشكلة تكمن في توفير كل شيء وفي كل وقت، ونشأة الأطفال على هذا المفهوم التربوي الخاطئ، حيث أن الترفيه المتكلف لا يورث إلا مللاً وكلما كان الترفيه ذاتياً بسيطاً كلما كان أقوى وأعمق تأثيراً، مشيراً إلى ضرورة تعويد أفراد الأسرة على القناعة، حيث أنها تعتبر من أهم وسائل الترفيه الذاتي. كيف يتحقق الترفيه الذاتي؟ وأوضح "د. رامي" خطوات سريعة لتحقيق الترفيه الذاتي، مثل إزالة عناصر التوتر والشد في الأسرة، وكذلك التخفيف من وسائل التوتر النفسي بين أفرادها، وأنه بتلافي هذه العوامل يتحقق أعلى درجات الترفيه الذاتي، ويصبح نظام الأسرة في حد ذاته نظاما عائليا ممتعا، معتبراً حالة الملل التي يشعر بها الجيل الحالي إحدى مصائب العصر، حيث لا عجب أن تجد أسرة تجلس في مكان واحد ووقت واحد ولكن كل فرد من أفرادها في مدينة من مدن العالم، فهذا في أمريكا والآخر في استراليا والثالث في اليابان، بجلوس كل منهم في مكان المعيشة وهو محتضن جهازه المحمول، ويتواصل ب"الانترنت" مع العالم الخارجي، وكل منهم يظن أن ما يقوم به هو ترفيه أسري ولا يعلمون أنه في حقيقة الأمر عكس ذلك تماماً. تأثيث المنزل ولفتت "ماجدة الطوخي" مهندسة ديكور أن الأسر السعودية تفشل في تخصيص أماكن للترفيه؛ خلال البدء في تصميم المنازل، أو تأثيثها بالاحتياجات الضرورية حتى يجد الأبناء مساحة كافيه للترفيه يقضونها بسعادة.