- الرأي - خلود النبهان - جازان : لطالما شكلت الأواني الخشبية جزءًا أصيلًا من الموروث الشعبي، حيث كانت الأسر تعتمد عليها في حياتها اليومية قبل انتشار الأواني الحديثة. ومن بين هذه الأواني، برزت الصحفة كوعاء رئيسي يستخدم في شرب الماء واللبن، بفضل خصائصها الطبيعية التي تضمن حفظ الطعم وجودة المكونات. ولم يقتصر دورها على ذلك فحسب، بل كانت الصحفة أيضًا جزءًا من الطقوس التراثية، خصوصًا في شهر رمضان، حيث تسكب فيها المياه، فتضفي على الأجواء عبق الماضي وروح الضيافة الجازانية العريقة. صناعة الصحفة: حرفة متقنة وأصل متجذر تصنع الصحاف من خشب الأثل الرطب، وهو نوع من الأخشاب المعروفة بمتانتها وسهولة تشكيلها، مما يجعلها مثالية لنحت الأواني اليدوية. وكان الحرفيون المهرة يعمدون إلى اختيار أجود أنواع الأخشاب، ثم يقومون بتشكيلها بعناية لتأخذ شكلًا دائريًا يناسب الاستخدام اليومي، مع الحرص على صقلها لتكون ناعمة الملمس وسهلة التنظيف. ولضمان حماية الصحفة من تسرب السوائل، كانت تُدهن بمادة طبيعية تسمى "روب"، وهي مادة تستخرج من بعض النباتات، ولها رائحة مميزة تضفي طعمًا خاصًا للماء أو اللبن عند سكبه فيها. إلى جانب دورها في تحسين النكهة، تعمل الروب كطبقة عازلة للسوائل، مما يعزز من متانة الصحفة ويطيل عمر استخدامها، وهي تقنية عرفها الأجداد وظل استخدامها مستمرًا عبر الأجيال. دور الصحفة في الحياة اليومية والمناسبات لم تكن الصحفة مجرد وعاء، بل كانت رمزًا للاكتفاء والبساطة، حيث استخدمت في مختلف البيوت لحفظ السوائل، وعلى رأسها الماء واللبن، إذ يُعتقد أن الخشب يضفي نكهة خاصة ويُحافظ على برودة السوائل لفترة أطول. وفي شهر رمضان المبارك، أصبح للصحفة حضور بارزًا في المجالس والموائد الجازانية، حيث كانت تُستخدم لتقديم الماء ضمن طقوس تراثية تعبق برائحة الأصالة، وتعزز من روح الضيافة والكرم. بين الماضي والحاضر رغم التطور الذي شهدته أدوات المطبخ، لا تزال الصحاف الخشبية تحافظ على مكانتها في بعض البيوت والمجالس التراثية، حيث تروي تفاصيلها قصة ارتباط الإنسان بموروثه العريق. واليوم، نجدها حاضرة في الفعاليات التراثية والمتاحف والمطاعم الشعبية، حيث يحرص البعض على اقتنائها ليس فقط كأداة عملية، بل كرمز ثقافي يحمل عبق الماضي إلى الحاضر. إنها ليست مجرد إناء خشبي، بل جسر يربط الأجيال بتاريخها، ويعكس أسلوب حياة يجمع بين البساطة والأصالة في زمن الحداثة. ‹ › ×