كي نحصل على الفائدة الصحية من الأطعمة التي نتناولها، لا يكفي أن ننتقي المنتجات الغذائية التي ثبت بشكل علمي أنها مفيدة لصحة أبداننا، بل نحتاج أيضا إلى تناولها باعتدال وأن نطهوها ونعدها للأكل بشكل صحي أيضا. والأمثلة على هذا كثيرة جدا. ولا أحد يناقش في أن البطاطا كثمار هي من المنتجات الغذائية المفيدة، ولكن تلك الثمار تتحول إلى مشكلة صحية حينما نتناولها على هيئة «فرنش فرايز» المقلية، وبكميات وافرة. ولا أحد يناقش في جدوى تناول حبوب القمح الطبيعية، ولكنها تتحول هي الأخرى إلى مشكلة صحية حينما نتناولها في كل وجبة طعام وعلى هيئة خبز أبيض خال من كل المعادن والفيتامينات والألياف، عبر عملية تقشير حبة القمح. والأسماك، هي كذلك من المنتجات الغذائية العالية القيمة من ناحية فوائدها الصحية. وتنصح الهيئات الطبية العالمية، خاصة منها المعنية بصحة القلب والدماغ، بالحرص على تناول وجبتين منها على أقل تقدير في كل أسبوع. ولكن لم تذكر تلك النصائح، وتحديدا رابطة القلب الأميركية AHA، تعليقا واضحا حول كيفية الطهي. وفي عدد 11 يناير (كانون الثاني) الحالي من مجلة «نيورولوجي» Neurology، المعنية بصحة الدماغ والجهاز العصبي، ينشر الباحثون من الولاياتالمتحدة نتائج دراستهم حول أحد أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بجلطات السكتة الدماغية stroke في مناطق دون أخرى من الولاياتالمتحدة. وشملت الدراسة نحو 22 ألف شخص، وتبين لهم فيها أن تناول الأسماك يمكن أن يكون عبئا صحيا ومصدرا للضرر في الجسم، وذلك إذا ما تم طهيها وإعدادها بطريقة خاطئة. ومن المعلوم إحصائيا، أن ثمة ارتفاعا ملحوظا في معدل الوفيات بجلطة السكتة الدماغية في منطقة تسمى «حزام السكتة الدماغية» stroke belt، وهي ولايات شمال وجنوب كارولينا وجورجيا والميسيسيبي وألاباما وآركنسو ولويزيانا وتينيسي، وهي مناطق تقع في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة. وذلك بالمقارنة مع بقية الولايات الأميركية الأخرى. وقال الدكتور فادي باسيل نهاب، الباحث الرئيسي في الدراسة ومدير برنامج السكتة الدماغية في مستشفى إموري بأتلنتا: «نظرنا في الدراسة إلى جانب تناول الأسماك، لأننا نعلم أن ثمة علاقة بينها وبين خفض احتمالات خطورة الإصابة بالسكتة الدماغية الناجمة عن انقطاع تروية أجزاء من الدماغ بالدم. وهناك الكثير والكثير من الأدلة العلمية التي تؤكد الفوائد الصحية للأسماك، خاصة دهون (أوميغا – 3) omega-3، في حماية الناس من تلك الإصابات الدماغية». وفي سبيل النظر إلى الاختلاف المناطقي والعرقي للتغذية بالمناطق التي ترتفع فيها الإصابات بالسكتة الدماغية مقارنة ببقية المناطق الأخرى، قام الباحثون بقياس كمية «الأسماك المقلية» fried fish و«الأسماك غير المقلية» non-fried fish التي يتناولها السكان في منطقة «حزام السكتة الدماغية» ومقارنتها بتلك التي يتناولها السكان في المناطق الأميركية الأخرى. وذلك من أجل معرفة مدى تناول دهون «أوميغا - 3» التي تحتوي عليها بغزارة أنواع معينة من الأسماك وهي «الأسماك الدهنية»، كسمك الإسقمري أو الماكريل وسمك السلمون وسمك الرنجة herring. واعتبر الباحثون «الأسماك غير المقلية» مرادفة ل«الأسماك الدهنية» الغنية ب«أوميغا - 3» بناء على ملاحظة أن إعدادها بالطهي غالبا لا يكون بطريقة القلي. ولاحظوا أيضا أن «الأسماك غير الدهنية»، مثل سمك القدّ cod وسمك الحدوق haddock، غالبا ما تكون مقلية. كما ذكروا ملاحظة علمية معروفة ومهمة جدا، وهي أن قلي السمك بالعموم يقلل من نسبة دهون «أوميغا - 3» الموجودة فيها، وهو مما يعني تقليل الاستفادة الصحية من تناول تلك الأسماك غير الدهنية بالأصل، حينما يتم قليها. وتبين للباحثين أن سكان ولايات منطقة «حزام السكتة الدماغية» يتناولون الأسماك المقلية بنسبة الضعف مقارنة بسكان بقية الولاياتالمتحدة. كما كانوا أقل بنسبة 17% في المحافظة على عادة تناول أنواع الأسماك الدهنية، التي لا يتم قليها عادة، مرتين في الأسبوع. وعلى العكس كانوا أكثر بنسبة 32% في تناول الأسماك المقلية مرتين أو أكثر في الأسبوع. وعلق الدكتور نهاب بالقول: «في مناطق حزام السكتة الدماغية اعتاد الناس على تناول كميات أعلى من الأطعمة المقلية بالمقارنة مع بقية المناطق الأخرى». ومشكلة القلي، خاصة القلي العميق deep frying، مشكلة صحية حديثة نسبيا، تفشت في العالم من بعد انتشار وتوفر الزيوت النباتية المهدرجة. وثمة كثير من الباحثين الطبيين الذين يلفتون النظر في كثير من دراساتهم إلى حقيقة أن أمراض شرايين القلب والدماغ انتشرت بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ من بعد ظهور الزيوت النباتية المهدرجة، وهي الزيوت التي كانت في الأصل طبيعية ومفيدة صحيا، ثم تحولت بفعل عملية الهدرجة الصناعية إلى زيوت خالية من الفيتامينات الطبيعية وملوثة بالدهون المتحولة trans fatty acids البالغة الضرر على صحة الجسم، خاصة شرايين القلب والدماغ. وفي الأسماك المقلية بتلك الأنواع الرديئة من الزيوت، لا نخسر فقط كميات مهمة من دهون «أوميغا - 3»، ولا نضيف كذلك كميات سيئة من الدهون المتحولة، بل إن هناك مؤشرات علمية على تكون مواد كيميائية ضارة أخرى جراء «حرق» لحوم الأسماك في تلك الزيوت التي تفور أثناء الغلي.