هاجم بعض النقاد كثرة ظهور المحللين الرياضيين بل وسمي التحليل الرياضي ( مهنة من لا مهنة له ) نظير تلك الطفرة التي صاحبت استوديوهات التحليل فكل لاعب معتزل أو مدرب لم يجد له موقع أو إداري تمت إقالته وجد منابر الإعلام المرئي تفرش له سجادها وتقدمه كخبير وناقد مفحم.. لكن المحللين على كثرتهم لم يكونوا يوماً سبباً في صناعة رأي عام أو تقويم لمشكلة ما ورغم إن بعضهم يملك نظرة فنية وخبرة ميدانية إلا إن الأغلبية منهم يتحدثون بما تجود به أفكارهم وان نضبت ، بل إن بعضهم يساريون المذيع أيا كان أو الرأي العام وأين يتجه ولا يضيفون أي جديد للمشاهد سوى قليلا من القفشات والذكريات لمواقف في الغالب ( بايخه ) . هذا على صعيد مهنة من لا مهنة له ولكن الأدهى والأمر إن التقديم التلفزيوني أصبح هو الأخر مهنة سهلة المنال لا تحتاج إلى تدريب وصقل وموهبة وشخصية وثقافة بل الكل استطاع إن يقدم نفسه كمدير حوار يوجه الأسئلة كيفما اتفق ناسياً إن مهنة التقديم لا تعني فقط قراءة الأوراق المكتوبة بل مخاطبة الجمهور بلغة راقية والاستناد على معلومات دقيقة وتجنب طرح رأي شخصي كون الحياد هو العنوان الأبرز للمذيع الذي يعتبر واجهة أي برنامج بل ويتحمل مهمة السير به نحو النجاح وتعثره يعني نسف جهود كل الفريق الذي يعمل خلف الكواليس. وأصبحنا اليوم نرى صحفيين لامعين تخلو راغبين عن قلم الصحفي وارتموا خلف (مايكات) القنوات الفضائية يتشدقون بسخريتهم التي عادة ما تليق بمجالس خاصة فهي مجرد إسقاطات وطرائف وفكاهات وسوالف لا طرح راقي إعلامي يتميز بالمصداقية ويعيد الهيبة الإعلامية للمذيع بعد أن تقاذفت مراكبه على أمواج التجارب التي تتمايل حسب الأهواء والانتماء والرغبة الشخصية. ولعل قمة التناقض تكمن في كتابات وآراء تلك الجوقة ممن ملئوا الدنيا ضجيجاً وصراخاً ينشدون التخصص وان كل عمل يجب أن يكون نموذج في الاحترافية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولا يجب أن تتداخل الأعمال والواجبات ثم نجدهم يهبطون بباراشوت الواسطة على منصات الإعلام ويصدحون بالتغريد على مسامع الملا وأمام أعينهم حتى وان كانت التعتة والتعلثم والتأتاة والارتباك والتكلف وتداخل الحروف وطرح الأسئلة السخيفة ومقاطعة الضيف وطرح الرأي والمنافحة عنه هو الأسلوب المتخذ في مرحلة التجارب التي لم تدم أيام أو ساعات بل استمرت وأصبحت سمه ملازمة لمذيعين الغفلة والذين دلفوا إلى عالم الردح الإعلامي من أوسع أبوابه. إن خوض تجربه جديدة لأي شخص كان هي مرحلة تحدي قد ينجح فيها وقد لا ينجح ولكنه عندما يكتشف إن النجاح بعيدا فعليه أن يعيد حساباته أو أن يخضع لتدريبات وتقويم ذاتي قبل أن يزعج خلق الله بهراء لا يسمن ولا يغني من جوع. وهذا لا يعني أننا ضد خوض مثل هذه التجارب التي قد ينتج عنها اكتشاف موهبة جديدة في أي مجال ولكن على أن تكون تلك التجارب خلف الكواليس حتى يتم تقديم الموهبة بكامل تألقها وفي بعض الأحيان يتعلم الشخص تدريجيا بواسطة الممارسة ويتلافى أخطائه لا أن يستمر فيها ويطول العك اللغوي وعسف الجمل والكلمات كيفما اتفق. إن الشخصية الإعلامية لاسيما المذيع التلفزيوني والإذاعي لها صفات معينة يجب أن يتحلى المذيع بالحد الأدنى منها على الأقل إضافة إلى الثقافة العالية احترام جميع المشاهدين واحترام قواعد اللغة العربية أيضا وهي التي يحترمها ويطبقها طلاب المدارس أثناء تأديتهم الإذاعة المدرسية أكثر من بعض الإعلاميين الجدد. وتعتبر الفرصة سانحة للمحليين والذين شربوا من كأس الازدراء والمقت أن يردوا الصاع صاعين لأصحاب البارشوات والمنظرين المتأففين من تداعي المستوى الندقي ويسألوهم عن وهج الإعلام وهل هو مغري لهذه الدرجة التي جعلتهم يتنازلون ببساطة عن عرش صاحبة الجلالة او مهنة المتاعب بالمعنى الآخر.. وقد يتبرعون هولاء المحللين بجرعة نصائح لأولئك المبتدئين في كيفية التعامل مع الشاشة (والمايك )او لعلهم يجدون أنصارا لهم بين تلك الفئة ، المهم أن لا يحدث تصادم بين الدخلاء على عالم الإعلام لأنه المواجهة ستكون حامية وعنيفة وذات مستوى حواري لا يعلمه إلا الله بل وستكون على رؤوس الإشهاد في حال كانت منقولة حية على الهواء وان حصل ذلك فكمال قال الراحل ( ضمير الغائب المتكلم ) فخار يكسر بعضه.