خلية نحل لا تهدأ، هذا هو حال نشرة الرابعة على شاشة قناة العربية، والتي تطل على المشاهدين طوال خمسة أيام من السبت حتى الأربعاء، وتتناول الأخبار بنكهة سعودية مختلفة. حاولتُ أن أسبر أغوار هذه النشرة التي استمرت لسنوات طويلة ومشاهديها في ازدياد، حتى أنها فجرت عدة قضايا مهمة وحساسة، بحكم سقف الحرية الموجود في القناة تحت إشراف مديرها الأستاذ عبدالرحمن الراشد، وفعلاً زرتُ كواليس هذه النشرة والتقيت بصنّاعها الذين هم في الأساس شباب سعوديين اختاروا أن يغتربوا عن وطنهم حباً في مهنة الصحافة والتلفزيون. مساعد الثبيتي، شاب سعودي لا يحب الأضواء وهو منتج النشرة وعرّابها من خلف الكاميرات، سألته عن أسرار هذه النشرة، من أين تبدأ وكيف تنتهي؟ فأجابني: «يومياً أحاول قدر المستطاع الإطلاع على كل الصحف السعودية وأحياناً الخليجية، والألوية دوماً للأخبار الطازجة والجديدة والتي تمسّ الشارع والمواطن السعودي. وعن مصادر الأخبار بالنسبة للنشرة، قال مساعد: «المصادر لدينا متنوعة، فهناك مراسلونا الذين يزودوننا بالأخبار الحصرية والتغطيات الخاصة، وفي كل يوم نجتمع لنقرر ماذا سنقدم للمشاهد من مائدة إخبارية متنوعة، وبرأيي أن النشرة استطاعت الوصول لأكبر عدد من السعوديين، لأن سقف الحرية عالٍ لحد كبير». وحول اتهام البعض للنشرة بأنها غير واقعية بُحكم البعد الجغرافي للقناة وعدم معايشتها للواقع، أوضح مساعد الثبيتي بأن العالم أصبح مفتوحاً الآن، والذي يعيش في دبي كأنه في داخل السعودية، لتوفر وسائل الاتصال، وأضاف: «لا تنسَ يا عبدالرحمن بأن لدينا عشرات المراسلين، وهؤلاء هم أعيننا ومصادرنا». اتجهت بعد انتهائي من مساعد الثبيتي والذي كان يتحدث لي بحذر، بحكم أنه لم يعتد على الظهور الإعلامي ويعشق العمل خلف الكواليس، اتجهت بعدها لمذيع النشرة وواجهتها المشرقة - كما سمّاه أحد متابعيه في تويتر - الأستاذ محمد الطميحي، والذي يعتقد الكثير من المشاهدين أنه غير سعودي، لكن الطميحي هو ابن السعودية وتحديداً مدينة جازان الحالمة، والذي أتى منها لدبي قبل سنوات ليحقق أحلامه الإعلامية. محمد الطميحي كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث أكد أن النشرة منذ انطلاقها قبل عدة سنوات مرت بأحداث محلية وعالمية غاية في الأهمية، وكانت النشرة أحيانا السبب في حل العديد من القضايا المحلية بإيصالها إلى صناع القرار في المملكة، ومع مساحة الحرية المتاحة أصبح بالإمكان تسليط الضوء على عدد كبير من المواضيع التي يتم تجاهلها عبر وسائل الإعلام المحلية أو معالجتها من زوايا مختلفة غير التي طرحت من قبل . وحول بدايات النشرة وكواليسها، قال الطميحي: « كان لي الشرف أن أكون أول مقدم لها ، مع المعد سعد المطرفي و انضم إلينا فيما بعد الزميل محمود الورواري قبل عودته إلى القاهرة، ولا أخفيك عبدالرحمن بأني شخصيا اشتقتُ للعمل الميداني، لأن أجواء الاستوديوهات الباردة والبعد المكاني عن الحدث تقتل في المذيع الإحساس بما حوله، فعليه النزول إلى الميدان لإدراك ما يجري على الأرض وهذا ما أسعى إليه». حفزني الطميحي ببلاغته المعهودة وابتسامته المريحة بأن أسأله أكثر عن أسرار النشرة، فأغلب المشاهدين يرونه أمام الشاشة يومياً، لكنهم لا يعرفون كيف تخرج لهم هذه النشرة، فأجابني بابتسامة: « نشرة الرابعة هي الأصعب من بين كل نشرات العربية لعدة أسباب ، منها كثرة المقابلات التي قد تصل في الساعة الواحدة إلى سبع أو ثماني مقابلات، وبالتالي فإن على المذيع الإعداد الجيد لتلك المقابلات ومحاولة الوصول إلى الأجوبة خلال وقت قصير وهذا أمر صعب مع الضيف العربي الذي يراوغ كثيرا قبل الإجابة أو يأخذ وقتا أطول في إيصال فكرته و أحيانا لا يقبل المشاركة معك إذا كان وقت المقابلة أقل من خمس دقائق . وأضاف الطميحي: «هناك أمر آخر فمعظم أخبار وفقرات الرابعة خاصة بها على سبيل المثال فقرة الصحافة والمقالات مع الزميلة غوى، و الأخبار المتفرقة التي تقرأ مرة واحدة فقط فعليك كمذيع مراجعتها و قراءتها بشكل سليم حتى تصل للمشاهد من المرة الأولى، شخصيا لا أقوم بأي عمل بدني أو ذهني قبل الرابعة يمنعني من التركيز السليم أثناء الأداء، لأن النشرة تبث على الهواء وليس هناك أي مجال للسرحان والخطأ» . قبل رحيلي عن مبنى العربية الذي يطل على بحيرة المدينة الإعلامية بكل شموخ، توجهت للشابيْن ماجد إبراهيم وبندر الشارخ، وهم انضموا للنشرة موخراً كمعدّيْن. قال لي ماجد والحماس يعلو ملامحه: « كنت أحب الرابعة كمشاهد قبل انضمامي إلى العربية، وحين عملت بها عرفت سر محبتي لها، فالخلطة الجميلة التي برع فيها الزميل مساعد الثبيتي جعلت منها نشرة مميزة، ليس على مستوى المشاهد السعودي وحسب، بل الخليجي والعربي بشكل عام، خلال أقل من ساعة تستطيع بمشاهدتك للرابعة من التعرف على أهم الأخبار السياسية في العالم والعالم العربي، وأيضاً أبرز القضايا السعودية والخليجية. من جهته قال بندر الشارخ متحدثاً عن تجربته في النشرة: «إمكانيات العربية وخبرة القائمين عليها تضيف تميزاً على الأخبار التي تتناولها النشرة، وتعطيها صفة الدقة والمصداقية، وبالمناسبة، غير صحيح ما يتم تداوله بأن قناة العربية لديها أجندات خارجية أو ما شابه، فمزيج العاملين في العربية من مختلف الجنسيات دليل على كلامي، وهنا نعبر عن أرائنا بكل شفافية وفي النهاية نحن ننقل الخبر للمشاهدة بكل مهنية وحيادية. رحلتُ عن المبنى، والأسئلة لا تزال تجوب في مخيلتي، لعل أن يكون هناك خط للعودة وسبر أغوار قناة العربية، وليس نشرة الرابعة فقط.