مضى وقت طويل على بدايات السينما الأردنية - أول فيلم روائي أردني طويل حمل عنوان (صراع في جرش) في العام 1959 - قبل أن يتم إنجاز الفيلم الروائي الطويل (ذيب ) العام 2015، من توقيع المخرج الشاب ناجي أبو نوار والمستمدة أحداثه عن أجواء حقبة تعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث تدور وقائعه في مناطق جنوب البادية الأردنية. سرد الفيلم الذي اضطلع بأدواره الرئيسية مجموعة من أهالي المنطقة بعد أن جرى إشراكهم في ورشة متخصصة بالأداء التمثيلي قصة عائدة لشقيقين من أهالي المنطقة يصطحبان ضابط بريطاني عشية بدء أحداث الثورة العربية الكبرى العام 1916، وخلال مرورهما في بيئة جبلية صعبة يتعرض الثلاثة إلى غدر جماعة من قطاع الطرق، لكن الفيلم يكشف عن هواجس وآمال وتطلعات أفراد وجماعات يعيشون على عتبة وقائع جراء تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ضمن رؤية جمالية تفيض بمساحات الظل والنور واللونية والأدائية المزينة بمشهديه بصرية عالية المستوى. ومن الاتحاد السوفييتي السابق عاد المخرج فيصل الزعبي العام 1991، حيث درس السينما في معهد عموم الاتحاد السوفيتي للسينما، حاملاً شريطه الروائي القصير قياس 35 ملم المعنون (الحرباء) 24 دقيقة، المأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف. والمدهش في تجربة الزعبي مجيئه من روسيا بتَصَوّر مختلف عن السينما التي كان يطمح إليها أغلبية مخرجي الجيل السابق له، ولا مراء في أن مخرج (الحرباء) حقق خطوة أولى في اتجاه سينمائي يعبر عن نفسه من خلال السعي إلى محاكاة الشعر، لكن إشكالية هذه الخطوة بدت غير متناسقة سواء على صعيد الموضوع أو في امتلاك لغة بصرية بسيطة غير متكلفة. وكانت ساحة الإنتاج السينمائي في الأردن شهدت في العام 1994ولادة جملة من الأفلام الروائية القصيرة من بينها فيلمان للمخرج الشاب نبيل الشوملي حققها بالتعاون مع مخرج أردني شاب يدرس السينما في إيطاليا، هو عبد الحكيم أبو جليلة، وتم إنتاجهما بجهد ذاتي وبالتعاون مع رابطة الفنانين. حمل الفيلم الأول عنوان (الثوب) وهو مأخوذ عن قصة قصيرة للأديبة الأردنية جواهر الرفايعة، وجاء الفيلم الثاني (الاكتشاف) عن قصة قصيرة للكاتب الأردني الراحل محمد طميلة، حيث يتوغل فيه المخرج لإضفاء الشكل التجريبي على أحداث يختلط فيها الواقع بالوهم على نحو شديد الالتباس تتمازج فيها الفنون التشكيلية والموسيقى، وقطع الإكسسوارات والديكور، والمقولات والنظريات الفلسفية. وعاينت المخرجة راما كيالي في فيلمها التسجيلي المعنون (لص اللحظة) في 35 دقيقة من رؤية وإنتاج خلدون الداؤد مدير رواق البلقاء بالفحيص، مسيرة رسام الكاريكاتير والفنان التشكيلي المصري جورج بهجوري، الذي رأى أن بداياته في هذا الحقل التعبيري لم تكن سوى مجرد فوضى ودعابة أو أي نوع من المزاح في لحظات طريفة جميلة اعتاد قضاءها مع أصدقائه الحميمين. وعن قصة لمحمد طميلة قدم المخرج الشاب صلاح أبو عون، فيلمه القصير (الكابوس) وفيه يتناول قصة شاب لا يتمكّن من النوم بفعل صوت المياه القادم من حنفية المنْزل، ويعمل جاهداً على إيقاف تسرّب المياه، ويذهب إلى السوق لشراء (جلدة) للحنفية، لكنه يُفاجأ بوجود أهالي المدينة وقد اصطفوا لنيل ما تبقى من (جلدات) الحنفيات. من خلال هذه الفكرة البسيطة ذات الرموز والإيحاءات العميقة الواضحة، سعى أبو عون لإبراز هموم ومشكلات الإنسان العادي الذي يعيش تناقضات الواقع وضغوطه ويحلم بالانعتاق من قيود كثيرة تقيد انطلاقته. وعن واحدة من نصوص المجموعة القصصية (المتحمسون الاوغاد) لمحمد طمليه أيضا جاءت محاولة المخرج نائل أبو عياش بفيلمه القصير المعنون (خوف)،ويخلو من الحوار تماما، إذ يعتمد على مفردات اللغة السينمائية اللون والصورة والموسيقى والتوتر والحركة. ويتلخص موضوع الفيلم في نزول شخص من سيارة باتجاه بيته التراثي القديم على هيئة عائد من غربة، لكنه يظل مترددا بالدخول لما يشاهده من توتر وخوف وهلع لأناس يمرون من حوله بسرعة تكاد تأخذه معهم، لا يتردد العائد من النظر إلى داخل البيت واقتحامه حتى يصاب بالفزع ويقفل عائدا عندها تتبدد ذكرياته وآماله. // يتبع //