في مناطق معرفية مختلفة.. يلاحظ المهتمون والدارسون ظاهرة غريبة في تأسيس البحث العلمي الغربي الحديث، هي ظاهرة العلم التقني والجهل الأخلاقي.. حينما يكون مبدأ الاكتشاف والمعرفة والبحث فوق مبدأ الإنسان نفسه وفوق مبدأ حريته وحقه وأمنه. تلك الظاهرة ممتدة عبر امتداد البحث الغربي نفسه ومرت بمراحل بحث مختلفة كان منها اختبارات تجريبية لباحث غربي أيام الحرب العالمية الثانية حول ردة الفعل النفسية على الشخص عبر إيهامه بصدمات تجرى على مريض. طبيعة تجربة هذا الباحث هي إيهام الشخص المراد اختباره بأنه يدير عملية صعق لشخص آخر حتى الموت بناء على أوامر الدكتور الكبير. بطبيعة الحال، تلك الصعقات هي مجرد خدعة لاختبار ردة فعل هذا الشخص الذي يدير تلك التجربة. المهم أن كثيرين خرجوا من تلك التجربة مرضى بالفعل وغير مستقرين نفسيا بل آخرون أصيبوا بأدواء نفسية مستديمة من جراء ذلك الاختبار. تلك التجربة العلمية هي حلقة في سلسلة تجارب كثيرة غريبة تقوم على اختبار الإنسان بل استعماله في العلم والتجربة لمجرد التجربة والاختبار. والجدير بالملاحظة أن هذا الإنسان المستخدم في التجربة المعملية هو الإنسان المنتمي للعالم الثالث حيث لا حق ولا حرية ولا أمان. واختبار آخر تم إجراؤه في ستينيات القرن الماضي في شمال أمريكا يسمونه «توسكجي» تم ضخ الأموال فيه لملاحظة مرضى الزهري السود، من غير علاجهم بل وتركهم يموتون من أجل اختبار المرض ومحاولة اكتشاف علاج من خلال حالتهم. ومع أن تلك الحادثة هزت فكرة الاختبار العلمي وطرحت سؤالا عريضا عن أخلاقية تلك التجارب البشعة التي تبحث عن «التقدم» العلمي بيد أنها تسحق وراءها كل أشكال «التقدم» الأخلاقي. بحث ثالث يجريه أمريكان أيضا في القرن الحادي والعشرين يعطي علاجات وهمية للمرضى المستديمين في إفريقيا لأن العلاج الحقيقي يكلف مبالغ طائلة تستغلها المباحث الطبية في إدارة اختبارات أخرى في إفريقيا نفسها وعلى المرضى أنفسهم.