يقف ناصر أمام مكتب مديره المتجهم منذ 35 عاما! بيده اليمنى ورقة إجازته الاعتيادية التي امتلأت بتواقيع كل المديرين في دائرته، ولم يتبق سوى توقيع آخرهم حتى تصبح سارية المفعول! وقبل أن يقدم على مغامرة كتلك وحتى لا تفشل فيقضي صيفه صديقا للشمس في مدينة كالرياض! أخذ نفسا عميقا يكفيه حتى نهاية ذلك اليوم! ثم ثبت على وجهه بإحكام أول أقنعته المزيفة لذلك اليوم «قناع التمسكن». ذلك القناع، أخرج ورقته من هناك موقعة ومختومة بعشرة أصابع، بعد اجتماع دام خمس دقائق فقط، شرح فيه لمديره كيف أن والده مريض وجدته التي توفيت قبل عشرة أعوام، مريضة أيضا! وأن ابن خال ولد جيرانهم انتقل إلى رحمة الله، ولولا دموع المدير التي انهمرت كسيل جارف لزاد عدد الضحايا إلى الضعف! عند باب منزله وقبل أن يهم بالدخول، يقف ناصر لبرهة يطمئن فيها على أن القناع المخصص لزوجته وأولاده قيد التشغيل! يتنحنح ليتأكد أن طبقة صوته على «الرتم المزعج» لتتوافق مع شخصيته الجديدة! فور دخوله للمنزل تتسارع خطى أطفاله كالعادة، خشية «قناعه»! بينما تسارع زوجته لإطباق فمها الذي حذرها أكثر من مرة من أن يغلقه بالشمع الأحمر إن شاهده مفتوحا مرة أخرى! ولأن لكل قاعدة شواذ، فقد سمح لها بالتثاؤب بمعدل مرة واحدة في اليوم للحالات القصوى فقط! يا لعطفك يا ناصر! قبيل منتصف الليل يستعد ناصر لدخول استراحة رفاقه، يقلب حقيبة أقنعته للبحث عن «قناع مرن» يقضي به السهرة، ثم يختبر حباله الصوتية وصلاحيتها للغناء، فهو «بلبل الاستراحة» كما «ضحكوا عليه!». قبيل الفجر وأمام جهازه المحمول، يستخدم ناصر كل الأقنعة المتوافرة في حقيبته، فالغوص في الشبكة العنكبوتية يلزمه الكتابة بأكثر من معرف ليسب ذاك ويمدح هذا ويكسب ود تلك! في الغد ينفض ناصر حقيبته، ينظمها ويعيد ترتيبها بما يتلاءم مع يومه الجديد!