حتى وقت قريب كان الحديث عن المشكلات حديثا ذا جدران، هو ذاك الذي يختتم فيه القلقون حديثهم بعبارة: «آشش الجدران.. لها آذان». رغم أنهم اكتشفوا بعد ذلك أن لا آذان للجدران، ولا حتى أنوف، وأن الجدران الوهم تلك رسخت بنا ثقافة لا تقل رأيك، أو إن كنت مصرا على البوح به فقل واحدا من أشهر الكلمات شعبية للتعبيرعن الآراء وهي: «مدري». وإن كنت ما زلت «راكبا رأسك» أن تقول شيئا مختلفا، فقل ما تشتهي، لكن بينك وبين نفسك اللطيفة. ورغم التوجه الجلي للقيادة الرشيدة نحو النهوض بالفرد والمجتمع، وإيمانهم بأن النقد البنّاء من أساسياته، إلا أن وهم الجدران ظل متربعا على رؤى البعض كإرث اجتماعي. وهو ما أوجد لدينا مسؤولين، وعلى أتم الاستعداد للانقضاض على سرب المنتقدين بوابل من العبارات المعلوكة ك: «حنا أبخص، وش عرفكم أنتم؟!» أخيرا حين ابتلت الرياض بالمطر والفوضى، وخلفت أشلاء من خيبة، لم نكن نحتاج لشاهدين و مزكيين حتى نخبر أصدقاءنا المسؤولين أن ما حدث في نصف ساعة من غرق كان نتيجة إهمال البعض منهم، وهشاشة رقابة إداراتهم على المشاريع المغلوبة على أمرها، وجشع المقاولين المنتفخين على حسابنا. لم نكن بحاجة أن نخبرهم أن من الطبيعي وفي أعتى إدارات العالم متانة أن يكون هناك فعلا شخص فاسد، ولن يكون من المنطقي بدورنا أن ننزه أفعالنا من الخلل، أو أن نكممها عن الظهور، فشوارعنا التي تشوهت، وحاراتنا التي امتلأت، وسياراتنا التي تحولت لقوارب كفى بها دليلا. فشكرا لإعلامنا الجديد الذي غير من مفاهيمنا تجاه الأحداث، بعد أن كنا نرى شوارعنا آنذاك تغرق، ليخرج علينا أحدهم من يوم غد قائلا: ازدانت الرياض بزخات من المطر، جعلها الله سقيا خير وبركة وعمّ بنفعها أرجاء البلاد!