خيبة أمل حقيقية تصيبني عندما أتذكر أنني لم أستخدم جملة «أسير على الرصيف» مذ ولدتني أمي! أما السبب فليس لأنني لا أجيد المشي! وليس لأن بيني وبين رياضة المشي سوء تفاهم لا سمح الله! وإنما ببساطة لأنه لا يوجد لدينا أرصفة أصلا! أما ما نشاهده في أغلب الشوارع هنا فلا تعدو كونها ممرات رديئة مارس عليها الحرفيون في المحال المتاخمة أبشع صنوف وأساليب الاستعمار! في مدينتي، جرب واختر أقرب الأرصفة إليك، حاول أن تسلكه من البداية حتى النهاية! يجب قبل ذلك أن تكون مؤهلا نفسيا وبدنيا لخوض مغامرة من ذلك النوع! يجب أيضا أن تتوخى أعلى درجات الحذر، فمعظم الأرصفة هنا مصابة بأنيميا حادة فرقت بين حباتها، إلى درجة أن سالكها قد يصبح ضيفا عزيزا لدى الدكتور سالم الزهراني بعد إصابته بقطع في رباطه الصليبي! هل أنت مصّر على المواصلة؟ إن كانت إجابتك نعم، فيجب أن تتماسك إن اعترضت طريقك بقايا ثلاجة تقف بكل شموخ منذ العصر الإخشيدي أمام محل لصيانة الأجهزة الكهربائية! ويجب ألا تغضب أيضا عندما تصبح مضطرا للخروج عن مسارك إلى الشارع ومزاحمة السائقين في حال اعترضت رصيفك لوحة إعلانية ثُبتت بإتقان شديد لجعل الرصيف مغلقا في وجهك! ثم يجب أن تمتلك روحا رياضية عالية وأنت تتأمل استعراضا لمجموعة من الدراجات النارية التابعة للبقالة القريبة وهي تحكم سد طريقك بامتياز باعتبارها الناقل الرسمي لزبائن المحل! حتى وإن ألهمك الله صبر أيوب، فتغاضيت عن كل ما سبق، فلا أظن صبرك سيصمد أكثر عندما تشاهد سيارة أراد قائدها إيقافها في المواقف المخصصة للسيارات إلا أن حماسه قد زاد «حبتين» فأخفى كل شيء يدل على الرصيف! هنا فقط الأرصفة ليست للمشاة، هي لكل شيء عدا ذلك!