عاد أخيرا إلى أحضان الوطن وإلى أسرته البطل الجندي أول يحيى بن عبدالله الخزاعي، كأول أسير سعودي أفرج عنه المتسللون في ختام المهلة التي حددها الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لتسليم الأسرى السعوديين، وذلك عبر الجيش اليمني، بعد أن تم نقله على طائرة عمودية خاصة بالقوات الجوية اليمنية من محافظة صعدة إلى مطار صنعاء، ثم تسليمه إلى سفارة خادم الحرمين الشريفين، حيث تم نقله إلى أرض الوطن عبر طائرة خاصة. والده لم يعرف اليأس وقد عمت أجواء الفرح منزل عائلة الخزاعي، حيث كانت “شمس” هناك تعيش تلك الأجواء مع أفراد عائلته، وتحدث والده عبدالله بن عامر الخزاعي بمشاعر سعادة بالغة عن لحظات معرفته بخبر عودة ابنه، قائلا: “منذ أن توجه ابني إلى الجبهة وهو في اتصال دائم بنا مرتين في اليوم، وكان يحكي عن وضع القوات، وبدا متفائلا جدا ومسرورا، وهو يردد: “النصر لنا بمشيئة الله تعالى”. ويضيف الخزاعي: “في اليوم الرابع من ذي الحجة من العام الماضي كان آخر اتصال له بنا، وحاولنا الاتصال به مرارا، ولكن دون جدوى فتوجهت بعد يومين إلى جازان، وعند لقائي بالمسؤولين هنالك قالوا لي: “لا تقلق، وسنوافيك بالأخبار على الفور”، ويتابع: “لم أيأس وكنت متأكدا من عودته بمشيئة الله تعالى، رغم الأخبار التي كانت تصل ومفادها العثور على مجموعة من الجثث”. ويستطرد الخزاعي: “في بعض المرات اعتبرت ابني ميتا، ولكن ذلك لم يشعرني بالأسى؛ لكونه ميتا من أجل وطنه وهذا هو الشرف الحقيقي، كما كانت الأخبار متتالية عن الجثث والمفقودين، ولكن صوت ابني الأكبر يحيى ونشوته أنستني ذلك كثيرا، إلى أن اتصل بنا مكتب الأمير خالد بن سلطان يفيد بأن يحيى ابنهم، وأنهم مسؤولون عنه، وسيوافوننا بكل جديد حوله، فرددت عليهم: “أنا والولد للوطن”، و رددت أيضا: “كلنا عيال عبدالعزيز”. وعن كيفية تلقيه خبر تسليم ابنه للسعودية، يقول: “علمت بذلك عن طريق الأخبار، وكانت الفرحة لا توصف، وتعالت هتافات النصر للوطن في كل أرجاء المنزل من الجميع، وما أعجبني ودهشت له كثيرا هو سرعة تسليمه من قبل الحكومة اليمنية إلى السلطات السعودية، وكذلك نقله إلى الرياض بسرعة أكبر، فرددت: يا لجمال وشيمة وقوة أبناء عبدالعزيز”، ويضيف: “وفور علمي قمت بالاتصال بزوجة ابني لإبلاغها، فأغمي عليها على الفور بعد تلقيها الخبر، بسبب يأسها ومعاناتها الشديدة لفقدانه”، لافتا إلى أنها لم تلبس للعيد ولم تخرج قط من منزلها. وكان والد الخزاعي بصدد الذهاب إلى ابنه، مؤكدا أنه سيقيم حفلة كبيرة فور عودته إلى منزله، فهو مصدر فخر للجميع. يتحدث في “اليوتيوب” الموقف بالنسبة إلى حسن شقيق الجندي أول يحيى كان صعبا يوم غيابه وحضوره، يعبر عنه بقوله: “كان يحيى شقيقي الأكبر الذي أعتبره صديقي ووالدي؛ نظرا إلى قوة العلاقة بينا، وقد أثر ما حدث له كثيرا في تحصيلي الدراسي، حيث إنني طالب في كلية إعداد المعلمين بالقنفذة قسم الحاسب الآلي، وظللت أتابع أخبار أخي عن طريق مقاطع “اليوتيوب” التي صدرت عن طريق المتسللين، حيث قاموا بتصويره من خلال مقطع فيديو يتحدث فيه عنهم ومعاملتهم له”. ويضيف: “كان صوت أخي مبحوحا وظهرت عليه علامات القلق، حيث كان يكثر النظر إلى الجهة اليسرى فعرفته تماما، وقد كنت أحس بارتياح في بعض الأحيان بسبب المسؤولين الذين اتصلوا بنا كي يخففوا عنا وطأة الخبر، وظللت أتابع وسائل الإعلام بشكل متواصل خصوصا عن طريق الإنترنت”. وعن معرفته أسر أخيه، يقول: “علمت بذلك عن طريق أحد أصدقائه بالجبهة، وقمت على الفور بالاتصال به، وكانت المفاجأة أن هاتفه مقفل، وعندما ذهب والدي إلى جازان للسؤال عنه عرف من أحد زملائه أنه كان ضمن السرية التي لم تنسحب، وبعد التمشيط لم يجدوا له أثرا، وعرفت من أحد زملائه أنه امتثل لتعليمات القيادات بعدم الانسحاب حين لم تسعفهم الذخيرة وأصيب بطلقة في فخذه وكعبه؛ نظرا إلى تعثره عند سيره على الجبل”، ويضيف: “عندما علمت بذلك قلت: إن أخي في عداد المفقودين، ومكثت أنتظر أي خبر عنه، وقبل أيام وأنا أتصفح أحد المواقع الإلكترونية السعودية قرأت خبرا عن أحد المفرج عنهم، وبعد أن ذهبت للتفاصيل كانت المفاجأة الكبرى وجود اسم أخي الثلاثي، مما جعلني أقفز من الفرح، وبعد ساعتين قام بالاتصال بزوجته ووالده ليخبرهم بسلامته”. ويتصفح علاقته بشقيقه، قائلا: “كان يدعمني كثيرا في دراستي من خلال النصائح والإرشادات، كما كان يحثني دائما على عمل الخير، ويتواصل معي على الدوام من خلال الهاتف المحمول، وكنت مستبشرا خيرا بسبب تفاؤله الذي جعله في بيتنا كحبل نجاة في كثير من الأمور ولله الحمد”، وعن شخصيته يقول: “أخي يحيى إنسان هادئ جدا، ويلتزم الصمت، ولا يحب الدخول في المهاترات، وكان يستغل فترة رجوعه من عمله للجلوس مع زوجته والسؤال عن أحوالها، وكذلك خدمة والديه، فهو ابن بار بمعنى الكلمة، ويحب الحديث في المفيد فقط”. دمث الأخلاق يقول خالد محمد بيطلي معلم لغة عربية وابن شيخ القبيلة وابن عمة الخزاعي: “اشتهر يحيى بدماثة الأخلاق والهدوء وحب العمل، وخلال معرفتنا به لم نسمع بأي شخص يشكو منه، فهو رجل يسعى للخير دوما”، ويضيف: “وقع خبر أسره علينا كالصاعقة، وحينها توقعت كل شيء، فالحرب فيها الميت والحي، والأسرى قد يموتون أو يعودون، ولكن عاد الأمل من جديد بعد كلمة الأمير خالد بن سلطان التي حمّل فيها المتسللين مسؤولية الأسرى السعوديين وأهمية الحفاظ عليهم، مما أعاد لنا الأمل بقوة في عودته”. ويؤكد بيطلي أن مشهد الأمير خالد بن سلطان وهو يستقبل ابنه الخزاعي ويقبله كان له أثر كبير في نفوسنا، حيث أبان للجميع مدى أهمية المواطن لدى القيادة التي تحرص كثيرا على دعمه وتطويره.