تعددت الجنسيات والهمّ واحد.. السفر. هكذا حال المئات من متخلفي العمرة والزيارة، رجالا ونساء وأطفالا، الذين افترشوا أسفل كوبري الستين في جدة القريب من إدارة الجوازات، الذي يقع في قلب جدة بعد أن تقطعت بهم السبل وضاق حالهم، ولم يعد بالإمكان إلا انتظار الترحيل المجاني ولو بعد حين.. “شمس” انتقلت إلى المكان الذي يتعامل معه مرتادوه وكأنه فندق مهم جدا قبل رحلة العودة إلى بلادهم، وسلطت بعض الأضواء عليه ونقلت قصصا وحكايات على لسان قاطنيه. كوبري دولي الكوبري نفسه تحول إلى كانتونات أو مقاطعات، إن جاز التعبير؛ إذ تتجمع تحت كل زاوية من زواياه وممراته جنسية معينة، ربما هو نوع من التضامن؛ فاللغة واحدة ويسهل تعامل بعضهم مع بعض.. هذا التجمع البشري غير المنضبط بيئيا حوّل المكان إلى مجمع للأوساخ والقاذورات؛ ففضلات الأطعمة وأحيانا البشرية تزكم الأنوف وتطارد حتى المارة وقائدي السيارات.. ويعتمد الجميع في هذا المكان على دورات مياه المساجد لقضاء حاجتهم، وهذه لا تعمل طوال اليوم. ويعتمد سكان الكوبري في طعامهم كلية على أهل الخير، وعندما يأتي أحدهم بوجبة ما ينقضون عليها انقضاضة رجل واحد؛ ما يؤدي إلى حدوث مشاجرات بينهم تراق فيها الدماء أحيانا ولا تفضها إلا تدخلات الدوريات الأمنية. انتظار طويل وذكر عدد ممن التقهم “شمس” أنهم قضوا نحو شهرين تقريبا أسفل الكوبري، بعد أن تخلفوا عن السفر عقب انتهاء زيارتهم أو أدائهم العمرة، مشيرين إلى أنه يجب عليهم الانتظار مهما كانت الأوضاع هنا سيئة، حتى يحين دورهم في السفر. ويلاحظ أيضا أن بعض سكان الكوبري ليسوا من متخلفي العمرة أو الزيارة بل بعضهم هاربون من كفلائهم بحجج شتى. شفيق أكبر (باكستاني) الذي قضى هنا أكثر من ثلاثة أشهر، تعرض لحادث مروري قبل نحو ثلاثة أسابيع، فنقله البعض إلى المستشفى لعلاج كسر في ساقه، إلا أن المستشفى رفض استقباله بحجة أن وجوده غير نظامي فاستسلم للأمر وعاد إلى الكوبري. وقال إن كسره لم يجبر حتى الآن؛ وهذا ما يدفع حافلة الجوازات التي تأتي من وقت إلى آخر لنقل بعض المخالفين إلى تجاهله. أما ناني بنت دياري (إندونيسية) فقالت: “كنت عاملة منزلية، لكن كفيلي لم يحسن معاملتي فهربت منه. ودلني البعض إلى هذا المكان الذي يعتبر فندقا للمخالفين والمجهولين”، مشيرة إلى أنها أمضت حتى الآن شهرا وتأمل في العودة إلى بلدها قريبا. انتشار الأوبئة وشكا عدد من سكان المنطقة من وجود هذا العدد الكبير من الأشخاص تحت الكوبري، مبدين خشيتهم من انتشار الأوبئة والأمراض، خصوصا هذه الأيام التي ظهر فيها مرض إنفلونزا الخنازير، الذي لو أصاب أحدهم فسينتقل إلى البقية بسرعة البرق وقد يقضي عليهم لأنه لا يوجد مستشفى يستقبلهم ولا يوجد لديهم حتى أموال ينفقونها على علاجهم أو شراء وسائل الوقاية. مشيرين إلى أن هناك بعض السلبيات والمخالفات الأخرى التي تصدر من قاطني الكوبري، وهذا ما يشكل خطرا أيضا على طلاب المدارس القريبة. وقال سالم باحشوان مدير المدرسة السعودية الابتدائية: “مدرستنا لا يفصلها عن الكوبري إلا أمتار عدة، ونحن نواجه مشاكل مع هؤلاء المخالفين، خصوصا في الصباح عند حضورنا إلى المدرسة؛ إذ نفاجأ ببعضهم يستخدمون الأزقة لقضاء حاجتهم، ويتكرر المشهد أيضا عند الانصراف.. والخوف الآن من نشرهم للأمراض؛ فبعض طلابنا يعبرون أسفل الكوبري في طريقهم من وإلى المدرسة، ولو التقط أحدهم عدوى مرض ما مثل فيروس إنفلونزا الخنازير فحتما ستكون العواقب وخيمة جدا على بقية طلاب المدرسة والعاملين بها”. ويضيف عمر باطرفي: “هذه المنطقة حظها سيئ؛ فهي لم تتخلص بعد من مشكلة المجاري حتى ظهر هؤلاء المخالفون ليزيدوا الطين بلة؛ حيث زادت الأوساخ والمخلفات والروائح الكريهة بشكل كبير”. وذكر أن بعض المخالفين يستغلون عمارة تحت الإنشاء في بعض الممارسات اللاأخلاقية آخر الليل؛ حيث ضبط حارسها بعضهم أكثر من مرة، لكنهم يهددونه قبل أن ينصرفوا.. هذا بخلاف استخدامهم للعمارة كدورة مياه. مضيفا أنهم تقدموا بعدة شكاوى إلى الجهات المسؤولة ليجدوا حلا لهذه المشكلة لكن دون فائدة.