تأثرت السوق السعودية بالارتفاعات العالمية غير المسبوقة التي شهدتها أسعار السكر، الذي يعد من السلع الاستراتيجية وأحد دعائم الأمن الغذائي، التي بلغت حدودا لم تبلغها في ثلاثة عقود حيث وصل متوسط الأسعار في السعودية (بحسب تفاوت العبوات) إلى 3.25 ريال للكيلوجرام. وتقدر نسب الارتفاع الأخيرة في أسعار السكر على مستوى السوق المحلية بنحو 25 في المئة عن الأسعار التي كانت عليها قبل نحو أسبوعين، وبنسب تقارب 80 في المئة من الأسعار التي كانت عليها نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، آخذة في الارتفاع التدريجي على شكل قفزات سعرية بلغت حدّها الأعلى الأسبوع الماضي. فجوة عالمية ويعود السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار عالميا إلى حدوث فجوة بين الطلب العالمي على السكر والإنتاج تقدر بخمسة ملايين طن متري في العام المالي المنتهي في سبتمبر 2010، ويعود ذلك التباين بين العرض والإنتاج إلى: ازدياد استهلاك السكر في الهند: فقد ارتفعت واردات الهند خلال موسم 2009 من السكر لتغطية العجز في إنتاجها المحلي نتيجة تعرض محصول قصب السكر لآثار وعوامل الجفاف، وضعف الأمطار الموسمية والرياح الموسمية العنيفة. ومن المتوقع أن يستمر استيراد الهند للسكر أيضا في 2010، إضافة إلى أن غيابها كمصدر للسكر يعني استمرار الفجوة العالمية بين العرض والطلب. انخفاض صادرات البرازيل من السكر: وتعد البرازيل أكبر منتج ومصدّر للسكر في العالم، وأدى الطقس الممطر الذي فاق المعتاد سنويا إلى تأجيل حصاد قصب السكر بها؛ ما أثر في صادراتها من السلعة. السكر الأوروبي وهناك عوامل أخرى من أهمها اختفاء الإنتاج الأوروبي من السكر والذي يقدر بخمسة ملايين طن بعد سحب الدعم عنه وفرض معايير إنتاج على دوله، إضافة إلى تزايد المضاربة في البورصات العالمية؛ الأمر الذي أسهم في زيادة الأسعار إلى المستويات التي وصلتها. وتوقعت المنظمات ذات الصلة بتجارة السكر وعلى رأسها منظمة السكر العالمية وكبار وسطاء السكر والعديد من الاقتصاديين والمحللين البنكيين للسلع في البنوك العالمية استمرار الأسعار في حال الارتفاع وقابليتها للزيادة حتى نهاية العام 2010 بل ربما إلى الربع الأول من العام 2011. السوق السعودية وعلى المستوى المحلي تجاوبت السوق السعودية سريعا مع الغلاء العالمي على الرغم من توقع العديد من مراقبي السوق المحلية بتأخر تلك الاستجابة حتى نفاد كميات السكر المطروحة بالمصانع والأسواق، وهي كميات كبيرة وذات تكلفة شرائية عادية؛ حيث سبق استيرادها وتداولها بين التجار ووصولها الأسواق قبل الارتفاعات العالمية الأخيرة، لكن الأسعار شهدت ارتفاعات مفاجئة؛ حيث شملت كافة الشرائح ذات الصلة من مصنعين وتجار ومستويات مختلفة للبيع المباشر للمستهلك. تضارب تصريحات فيما تضاربت تصريحات وتوقعات المسؤولين في شركة السكر المتحدة (الجهة الوحيدة المعنية باستيراد السكر للسعودية وتزويد المصانع المحلية به) التي يمكن استقراء وتحليل ما يصدر عنها والاستناد إليه أكثر من سواه؛ ففيما توقعت مصادر بها أن تتأخر استجابة السوق لمدة تصل إلى الشهرين.. أشارت مصادر أخرى إلى أن الشركة سربت إلى المتعاملين معها مراعاة الاستعداد لزيادات أخرى قد يصل بموجبها سعر الكيلوجرام إلى أربعة ريالات قبل نهاية العام الجاري.. وكل ذلك يشير إلى أن الغلاء العاجل والتجاوب السريع مع أزمة الارتفاع لا علاقة له بأثر الارتفاع العالمي الأخير على السلعة محليا لتوافر الكميات المطلوبة منها قبل موجة الغلاء الأخيرة وبالسعر السابق لارتفاعاتها. بل هو يحمل دلالات محاولة الموردين والمصنعين وكبار التجار الإسراع بجني فوائد عاجلة تحت جناح وغطاء ومبرر أزمة لم يصلهم تأثيرها بعد.. بل تهيئ السوق المحلية لارتفاعات قادمة أكبر من المعدلات العالمية. تأثر سلع أخرى ومن المتوقع أن تلحق آثار ارتفاع السكر بسلع عديدة تعتمد عليه كليا أو جزئيا في صناعتها وإنتاجها وهي سلع استهلاكية غذائية كما في منتجات العصائر أو الحلويات أو منتجات (الآيس كريم) وبعض المعجنات، خصوصا أن نسب الارتفاع في أسعار السكر ليست بالطفيفة أو التي يمكن تعويض وامتصاص أثرها في حساب تكاليف إنتاج السلع التي يدخل في صناعتها. زراعة القصب ويتوقع أن يستمر نمط ما حدث مع محصولي الأرز والقمح وغيرهما من المنتجات الغذائية الاستهلاكية خلال السنوات الأخيرة؛ إذ لجأ المستثمرون والمستوردون السعوديون والخليجيون إلى إنشاء شراكات إنتاجية زراعية في البلدان المنتجة؛ فمن المتوقع أن يتم الإجراء نفسه فيما يخص السكر خصوصا في بلدان آسيوية معروفة بزراعة وإنتاج السكر مثل باكستان وإندونيسيا والصين، فيما تظل البرازيل مقصدا ومصدرا لا غنى عنه لراغبي الاستثمار في السكر؛ نظرا إلى غزارة إنتاجها منه وانخفاض التكلفة، والمهم هناك النجاح في الحصول على السكر غذاء للبشر بديلا للإيثانول وقودا للمحركات، كما يقول أحد الاقتصاديين العالميين. فيما لن تغيب عن أذهان المستثمرين وناشدي القرب الجغرافي لاستثمارات بلد كالسودان ذات صلة مبكرة بهذه الصناعة التي قد تسهم الاستثمارات القادمة إليها في مجال السكر في تطوير وتنمية إنتاجه وصناعته وفي التوريد للأسواق الخليجية من مسافات أقرب وأكثر أمانا وربما بكلفة سعرية مناسبة.