كشفت دراسة حديثة أُجريت في مدن الرياضوجدة والدمام، على نحو عشرة آلاف طالب من المراحل الأولية، تراوحت أعمارهم بين 8 و12 عاما، أن 97 في المئة منهم تعرضوا لأنواع مختلفة من الإيذاء من قِبل آبائهم. وفصلت الدراسة أن 35 في المئة منهم تعرضوا لإيذاء بدني، فيما تعرض نحو 50 في المئة لإيذاء لفظي، و12 في المئة لاعتداء جنسي. تلك الأرقام أعطت مؤشرا مقلقا في المناطق التي شملتها الدراسة، وهي أن النسبة العظمى من الأطفال لا يسلمون من الاعتداء البدني أو اللفظي أو الجنسي. وقد بادرت “شمس” إلى فتح ملف هذه القضية، ورصدت مرئيات ذوي الاختصاص. التأهيل قبل التزويج عزا معاذ الجعفري (اختصاصي تربوي) إيذاء الأبناء إلى كثير من المشكلات، في مقدمتها “نقص ثقافة التربية والحوار لدى الآباء، وعدم تأهيلهم تربويا ونفسيا واجتماعيا في المرحلة الانتقالية من عزب إلى متزوج ثم أب”. وأضاف: “مشكلتنا أن الشاب عندما يتزوج لا يخضع لدورات تأهيلية فيما قبل المرحلة المهمة (الزواج)، وهذه نقطة سلبية”. وأوضح أن “ثقافة التدريب على المهارات الحياتية مفقودة”. وأكد أن هناك قصورا واضحا في البرامج التدريبية من قبل الجهات الاجتماعية على صعيد الجمعيات واللجان الخيرية”. وأضاف: “على الرغم من دورها الإيجابي لكنها بحاجة إلى زيادة اهتماماتها بجانب التوعية بفن التعامل في مرحلة الزواج”. وأوضح الجعفري: “من المتعارف عليه أن الأب دائما ما يريد أن يكون ابنه مثاليا، وجميع تصرفاته على النحو الصحيح”. وأضاف: “قد يطلب الأب من ابنه أشياء أكبر مما يستطيع تنفيذها”. وقال: “وهو (الأب) لا يدري أن هناك سمات شخصية متغيرة في كل مرحلة عمرية للطفل”. وأوضح أنه “يعتقد أن الحل المناسب هو العقاب اللفظي أو البدني، ولا يدري أن العقاب يسبب له مشاكل نفسية ويصيبه بالعزلة عن المجتمع”. الوالد وما ولد وقال الجعفري: “يفترض أن يضع الأب ميزانا لابنه حول ماذا يريد منه”. وأضاف: “فالأب مثلا يريد أن يكون ابنه على قدر أكبر من النجاح، ويفاخر به في المجتمع”. وقال: “لكن قبل ذلك يحتاج هذا الأمر إلى فحص لطريقة تعامله معه إذا ما كان البناء سليما وقويا أم العكس”. وأشار إلى أن “من يردد على سمع ابنه ألفاظا غير محببة كصفة الغباء مثلا فسيكون له نصيب من ذلك الإيحاء”. وأضاف: “أما إذا اختار ألفاظا كالذكاء فستنمو معه إيجابيا”. وأكد الجعفري أن محاورة الأب لابنه ومعاملته إياه معاملة الكبار وجعله في مجلس الرجال وإعطاءه الفرصة للتعبير عن رأيه ستجعله يتحدث بطلاقة وتُنمي شخصيته”. وقال إن “هذا نجاح للأسرة الصغيرة والمجتمع الكبير”. وأضاف: “أما إذا نهره وطالبه بالصمت بمقولة (عندما يتحدثون الكبار يسكت الصغار) فستنعكس على شخصيته سلبيا”. اللفظي أشد من جهته أوضح أحمد الحسينان (اختصاصي نفسي) أن هناك دوافع تنبع من ذات الإنسان ونفسه، تقوده إلى العنف والإيذاء. وأشار إلى أنها “تنقسم إلى قسمين: دوافع ذاتية، وهي التي تكونت في نفس الإنسان نتيجة ظروف خارجية من قبل، كالإهمال وسوء المعاملة والعنف الذي تعرض له منذ طفولته، وتمخضت بعقد نفسية، قادت في النهاية إلى التعويض عن الظروف السابقة الذكر، باللجوء إلى العنف والإيذاء”. وأضاف: “أما القسم الآخر فهو الدوافع التي يحملها الإنسان منذ تكوينه، والتي نشأت نتيجة سلوكيات مخالفة للشرع، كان الآباء قد اقترفوها”. وقال “ينعكس أثر تكوينها على الطفل، ويمكن إدراج العامل الوراثي ضمن هذه الدوافع”. وأكد الحسينان: “لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل الذي يتعرض للعنف إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلا نحو استخدام العنف من ذلك الطفل الذي لم يتعرض للعنف فترة طفولته”. ولفت إلى أن الإيذاء اللفظي قد يكون أشد من نظيره البدني. وقال: “نعم الضرب وسيلة تأديب، ولكن ما كيفيته؟ حيث إنه يجب أن يكون الضرب غير مبرح؛ فهو كما في الأثر عن الابن (لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم اترك حبله على غاربه)”. دوافع الرجولة! من ناحية أخرى أشار سالم الغامدي (اختصاصي اجتماعي) إلى أن هناك دوافع اقتصادية تشترك معها الظروف الاجتماعية الأخرى تؤدي إلى العنف والإيذاء ضد الأبناء؛ تفريغا لشحنة خيبة الأمل واستشراء الفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب نحو ابنه. وأضاف: “هناك أيضا دوافع اجتماعية تتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها المجتمع”. وأكد أنها “تتطلب من الرجل حسب مقتضياتها قدرا من الرجولة؛ حيث لا يتوسل في قيادة أسرته بغير العنف والقوة”. وأوضح أن ذلك باعتبارهما المقياس الذي يمكن من خلاله معرفة المقدار الذي يتصف به الإنسان من الرجولة، وإلا فهو ساقط من حساب الرجال. وأكد الغامدي أنه “كلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، تضاءل دور هذه الدوافع، حتى ينعدم في المجتمعات الراقية”. وأضاف: “وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المتدنية؛ حيث تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات”. وأشار إلى أن “مشكلة عنف وإيذاء الأبناء تكمن في عدم تلقي الآباء التربية التي تجعلهم قادرين على تربية أبنائهم على النحو السليم”. وأوضح حاجة الآباء إلى دورات توعوية تثقيفية حول مهارات تربية الأبناء.