عادة ما تبادر المتعرضات لتحرش جنسي في طفولتهن، وحتى الذكور من هذه الفئة، إلى الهرب من استذكار ما حدث، والابتعاد قدر المستطاع عن الإعلام والمجتمع، والاتجاه نحو العزلة والنسيان الظاهري لكل أحداث الطفولة، ولكن هذه العادة وجدت من يكسرها أخيرا، عندما أعلنت فتاة مواطنة انتفاضتها ضد ما حدث لها في سنواتها الأولى، واستثمار هذه الحالة السيئة التي مرت بها للتوعية الموجهة للأفراد والمجتمع ككل. واختارت الفتاة التي فضلت الإشارة إليها بأحرفها الأولى (عائشة. ح) جريدة "شمس" لتبدأ نشاطها التوعوي التطوعي، ضد التحرش الجنسي. وقد ارتأت أن تعرض قصتها أولا تنبيها لغيرها من الفتيات، ومن ثم استعرضت خططها المستقبلية في الوقوف بوجه التحرش الجنسي الذي يمارسه بعض المحارم. الفصول الأولى بدأت قصة عائشة مع التحرش عام 1992 عندما عادت مع والدها من أمريكا، حيث كان يعمل، إلى الرياض حيث تستقر عائلته، بعد أن طلق زوجته الأمريكية المسلمة (أم الفتاة)، وكان عمر عائشة حينها سبع سنوات فقط، وتعرضت في تلك الفترة لأول أعمال التحرش من قبل عمها (شقيق والدها)، وكان عمره 40 سنة. وقالت على لسانها أثناء حديثها إلى "شمس": "بعد عودتنا إلى الرياض قرر أبي أن نسكن في منزل العائلة الكبير الذي تسكنه جدتي وأعمامي.. وكان عمي لطيفا معي بالذات، ولكن في إحدى الليالي بعد وصولنا بفترة وجيزة، فوجئت به بقربي، وبدأ يتحرش بي جنسيا وأنا لا أدرك ما يدور لصغر سني، واستمر في تحرشاته بشكل متكرر لسبع سنوات طويلة، ولم يكن أحد من الأسرة يعلم بشيء لغياب الرقابة الأسرية ولعدم اهتمام أطراف العائلة ببعضهم إلا ظاهريا فقط، كما أنني لم أتمكن من إخبار أبي لأنني لا أعرف ردة فعله". النجاة المؤقتة في عام 1999 أي بعد سبع سنوات كاملة من هذا الوضع القاسي والمرعب بالنسبة لطفلة، جاء الفرج عندما تلقى والدها عرضا وظيفيا آخر في أمريكا، فحزم وابنته حقائبهما واتجها إليها، وتقول عائشة عن ذلك: "استعدت في أمريكا حياتي الطبيعية وأصبحت أستطيع النوم بشكل جيد وشعرت براحة نفسية مع زوال ضغوط التحرش التي يمارسها عمي، وبدأت حياتي تتغير نحو الأحسن". العودة إلى الجحيم بعد أربع سنوات فقط، تقررت عودة الأب إلى الرياض ثانية، فحمل ابنته معه وعادا إلى المنزل ذاته ولوجه العم الشرير نفسه الذي كان لا يزال يتربص بابنة أخيه. تقول عائشة: "في 2003 عدنا إلى الرياض وعادت كل الذكريات الأليمة، وبدأ عمي بانتهاز فرص التحرش من جديد، وقد أصبح عمري حينها 18 سنة، وأصبحت فتاة مكتملة، وقد ظن عمي أن ذلك لا يعني سوى متعة أكثر له، وبالفعل بعد أيام قليلة من الوصول وجدته يعود لممارساته السابقة ذاتها، لكنه لم يتوقف عند التحرشات فقط بل حاول اغتصابي بالقوة، ولكنني نجوت منه في اللحظات الأخيرة عندما تمكنت من الهرب، وذهبت إلى جدتي، وأخبرتها بما يحدث، فوبختني ووصفتني بالكاذبة وبأنني أريد (خلق فتنة) بين والدي وعمي، وطلبت مني الصمت وعدم الحديث أو الإشارة إلى ما يحصل بأي شكل". فضيحة مكتومة لم تأخذ عائشة بنصيحة جدتها التي لا تغني ولا تحمي من خوف، بل عملت على التحدث عما يحصل في أوساط المنزل لمجايلاتها من فتيات العائلة، وعرفت منهن أن هذه الحالة ليست حصرا عليها؛ فقد تعرضت الأخريات لتحرشات من العم ذاته، ومن عم آخر أصغر منه، ولكن صمت الحملان كان يلف البيت الذي يبدو من الخارج كمنزل عائلة سعيدة، وهكذا يتظاهر سكانه أمام أقاربهم ومعارفهم فيما الفساد ينهش فيه من الداخل. وإثر وصول الحالة إلى مستوى متقدم من الحساسية بين أفراد العائلة ارتأت عائشة إخبار والدها الذي سارع إلى استئجار منزل آخر انتقل إليه مع بناته في محاولة للخروج بأقل الخسائر. مجموعة المتعرضات للتحرش وتقول عائشة إنها بدأت في جمع فتيات تعرضن للتحرش والالتقاء الدوري بهن في أحد المقاهي كنوع من العلاج النفسي، هذا إضافة إلى أنها تعتزم إنشاء موقع على الإنترنت يكون غرضه تلقي البلاغات من الفتيات المتحرش بهن وتقديم الاستشارات المختصة في هذا النوع من الاعتداءات.