يتجدد الموعد مع كل موسم أمطار جيد لظهور (الكمأ) الذي اكتسب أهميته ليس من أجل طعمه اللذيذ؛ فهو ليس كذلك، ولا من أجل فائدته الصحية؛ فهو مجمع الداء كما يقر مواطنو الجزيرة العربية، ولكنه اكتسب أهميته من ندرته وقلة ظهوره ومشقة جمعه؛ فالكمأ لا يظهر سوى عند تحقق حسابات دقيقة في هطول أمطار ما قبل الشتاء. وعلى هذا الأساس قد يظهر الكمأ عاما ويغيب أعواما أخرى، وقد يُجمع من عدة مواقع هذا العام، ولكنه يكون محصورا في موقع وحيد في مواسم أخرى. والكمأ كما هو معلوم نبات فطري غير سام، ومذاقه لا يمكن تشبيهه بمذاق طعم معروف؛ فهو بلا نكهة حادة وآكله يشعر برائحة التراب والماء أكثر من أي شيء آخر. كما أن المتعارف عليه شعبيا هو أن الكمأ ضرره أكبر من نفعه من الناحية الصحية، ويقول المثل الشمالي: "إذا طلع الكما صرّ الدواء.. وإذا طلع الجراد أنثر الدواء". أي أن آكل الكمأ سيكون بحاجة للدواء، على العكس من آكل الجراد الذي يحق له التخلص من أدويته؛ لأن الجراد يحوي أدوية في أحشائه من الأعشاب التي يتغذى عليها. أو على الأقل هذا ما يؤمن به الرأي الشعبي. وكمأ هذا الموسم ظهر متأخرا بعض الشيء، ولكن ظهوره متأخرا أفضل من اللاظهور المطلق. ويبدو أن السهول المحيطة بحفر الباطن، وهي موقع يتكرر فيه ظهور الكمأ، هي أول موقع يظهر فيه كمأ هذا العام؛ إذ بدأت لافتات البيع تظهر في الشوارع والأسواق الشعبية، وبأسعار قد توصف بالباهظة؛ حيث يصل سعر الكيلوجرام الواحد هذه الأيام حتى 200 ريال. ويقول خالد الشمري، وهو جامع كمأ من حفر الباطن، إنه وأقاربه حددوا موقعا سريا يظهر فيه الكمأ بوفرة وهم يجنونه من هناك كل صباح ومن ثم يوزعونه في عبوات كرتونية صغيرة وينقلونه للبيع في الحفر والمدن الأخرى المجاورة. فيما يشير صالح الشمري، إلى أنه اتخذ من جني الكمأ وبيعه تجارة موسمية رابحة بأي حال؛ إذ لا يكلف التقاط الكمأ سوى عصا طويلة مدببة الطرف. ولكن عليه قبل ذلك أن يحدد الموقع الذي تأتي فيه العصا بنتيجة. ويجري تتبع الكمأ منذ فترة الوسم؛ ففي حال هطل المطر في تلك الفترة، فإن على (المتكمي) أن يعود للموقع ذاته بعد شهر إلى شهرين، ويبحث في الأرض عن نبتتَيْ (البسباس والرقروق)، وهما دلالتان مهمتان على ظهور الكمأ؛ فإن وجدتا فمعنى ذلك أنه بالإمكان التقاط الكمأ من هذا السهل بعد شهر آخر.