إن كنت لم تشاهد الفيلم السابق، فإن الفيلم الجديد «شارلوك هولمز - لعبة الظلال» لن يحرمك متعة الإبحار بعوالم تلك القصة التي حفرت عميقا في ذاكرة الأجيال، حيث إننا أمام قصة منفصلة تماما عن أحداث الفيلم الأول، بحيث تتابع الحوادث الغامضة لنشهد عودة «المحقق شارلوك هولمز» وصديقه الحميم «الدكتور جون واطسون» ضمن أجواء الإثارة الممزوجة بالكوميديا التي عودنا عليها هذا الثنائي، لكن بجرعة كبيرة جدا من مشاهد العنف والأكشن والمطاردات، وإن كانت بداية الفيلم تنحو نحو الرومانسية والاستقرار، لكن أبطالنا لن يفوتوا فرصة تخليص العالم من شرور صاحب الإمكانيات والقدرات العلمية المذهلة والعقلية الإجرامية الاستثنائية البروفيسور «جيمس موريارتي» ما جعل الفيلم متابعا من الجمهور على نطاق واسع حيث جمع منذ نزوله إلى صالات العرض الأمريكية إيرادات زادت على مبلغ 170 مليون دولار أمريكي. وجها لوجه تبدأ أحداث الفيلم في عام 1891 حيث سنشاهد اغتيال «إيرين أدلر» المرأة التي استطاعت أن تخدع شارلوك هولمز، بحيث أحبها ويحتفظ بصورتها دائما معه، رغم أن العلاقة بينهما في حالة جذب وشد دائم. فهي تريد أن تصير مثله، وهو لا يرى فيها سوى امرأة جذابة. وهكذا تموت «إيرين» عبر تسميمها من قبل البروفيسور «موريارتي» بسبب حبها لهولمز. وعقبها سيدخل الفيلم باستعراض للعديد من الحوادث وعمليات القتل الغامضة وغير المترابطة الموزعة في أرجاء العالم من فضيحة مقتل قطب صناعة القطن الهندي الشهير، ووفاة تاجر كبير في الصين إثر جرعة مخدرات زائدة، إلى تفجيرات غامضة في بيتسبرج وفيينا تودي بحياة ولي العهد، ووفاة أحد أباطرة الصلب الأمريكي، ولا أحد يرى أن هناك صلة بين كل هذه الأحداث التي تبدو أنها عشوائية. هذا كله سيلفت انتباه «هولمز» ويدفعه للجوء إلى صديقه الدكتور «واطسون» الذي يشرف على الزواج من «ماري». لكن الأحداث تنقلب رأسا على عقب عندما يصل بحث «هولمز» عن قاتل حبيبته إلى خيط يقوده إلى أن الرسالة المفخخة قد أرسلت من طرف شقيقها رينيه. وهكذا يلتقي هولمز موريارتي للمرة الأولى، حيث سيعلمه «موريارتي» بأنه قتل «أدلر» وسيقتل واطسون وماري لو استمر هولمز ببحثه. وتتصاعد الأحداث عندما يقوم رجال موريارتي بالهجوم على واطسون وماري على متن قطار شهر العسل. لكن «هولمز» الذي تبع الزوج للحماية يتدخل لينقذ ماري التي رميت من القطار في النهر وهنا يظهر شقيق هولمز « مايكروفت». وتبعا لهذا التصعيد يقرر الثنائي «هولمز وواطسون» السفر إلى باريس للقاء الفتاة الغجرية «سيم» المتورطة في خطط «موريارتي» وهذا ما يجعلها هدفا للقتل، وهي التي ستتحالف معهما لوقف مؤامرة موريارتي، ويبدأ تحرك «هولمز» عبر رحلة تأخذنا إلى ألمانيا ثم سويسرا، وبعد العديد من الحوادث والمطاردات يكتشف «هولمز» أن «موريارتي» يملك أسهما في العديد من شركات الأسلحة، ويعتزم إثارة حرب عالمية ليحصل على ثروة من تجارة الأسلحة، وذلك من خلال تخرب مباحثات السلام التي ستعقد في سويسرا، وهناك سكون اللقاء بين موريارتي وهولمز للعب الشطرنج على شرفة تطل على شلال وخلال اللعبة يتواجه الاثنان لينفث هولمز رماد غليونه في وجه موريارتي ويسقط الاثنان في الشلال، حيث سيظن الجميع بان هولمز قد مات وتقام له جنازة. وفي النهاية يكتب «واطسون» الأسطر الأخير من حكاية «المشكلة النهائية» لكنه يتسلم طرد يحتوي على جهاز تنفس «مايكروفت» فيدرك أن هولمز لا يزال حيا، ولذا يغادر مكتبه للبحث عن من جلب الطرد، وهنا يظهر هولمز ليقرأ ما كتبه واطسون على الآلة الكاتبة ويضيف علامة استفهام بعد عبارة «النهاية». رؤية حداثية «شارلوك هولمز» شخصية خيالية تاريخية لمحقق عاش أواخر القرن التاسع عشر، ابتكرها الكاتب والطبيب الاسكتلندي السير آرثر كونان دويل، وظهرت لأول مرة في عام 1887، وكتب عنها أربع روايات و56 قصة قصيرة، أغلبها جاءت بتوثيق صديقه الحميم وكاتب سيرته «الدكتور واطسون»، وقد استوحى هذا الفيلم من رواية ل«كونان» حملت اسم «المشكلة الأخيرة» لكن سيناريو الفيلم لم يلتزم تماما بالرواية. فالسيناريو الذي صاغه الزوجان الكتابة والمنتجة «ميشيل مولروني» والتي قدمت فيلم «رجل الورق» وزوجها «كيران مولروني» الذي قدم العديد من السيناريوهات للتلفزيون والسينما، قد استعان بالعديد من حوادث وعوالم روايات وقصص أخرى من سلسلة «شارلوك هولمز» وبتوجه حداثي طور شخصية «هولمز» وآليات عمله مع المحافظة على الطابع التاريخي. وهو ما عكسته الرؤية الإخراجية المتميزة التي جسدها المخرج «جاي ريتشي» الذي قدم الفيلم الأول «شارلوك هولمز» عام 2009، حيث اعتمد على خلق أكبر قدر من التشويق من خلال الاستعانة بحرة الكاميرا وزوايا التصوير وبلقطات سريعة، إلى جانب استخدام المونتاج الذي أوجد إيقاع حيوي ومشوق للأحداث، دون أن ينسى الاهتمام بتفاصيل المرحلة الزمنية من ديكورات وملابس وسيارات تناسب تلك الحقبة، وبتغليف أثيري من الموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقار «هانز زيمر» الذي لحن للكثير من الأفلام الشهرة ك «كونغ فو باندا، قراصنة الكاريبي، البداية، باثمان، شيفرة دافنشي» إضافة إلى نقطة القوة الموازية للإخراج في العمل وهي الممثلين، فإضافة للكادر السابق ينضم لهذا الفيلم الممثلة السويدية «ناعومى راباس» في دور الغجرية «سيم» والممثل القادم من نجومية التلفاز «جاريد هاريس» في دور البروفيسور موريارتى، والممثل الإنجليزي «ستيفن فراي» في دور ميكروفت هولمز. ويكاد يجمع النقاد على أن فيلم «شارلوك هولمز – لعبة الظلال» تفوق أهميته تقنيا الفيلم الأول، رغم جرعة العنف الزائدة فيه، وهو ما تعزز برأي الجمهور .