ربما لم يتقدّم لنيل مقعد في كلية الطب بالطريقة التقليدية، لكن «واطسون»، وهو حاسوب خارق («سوبر كومبيوتر» Super Computer) من إنتاج شركة «آي بي أم» الأميركية الشهيرة، يحاول منذ خريف هذه السنة أن يتأهّل «طبيباً»، بمعنى الانخراط في نيل المعارف والمهارات الطبية التي يكتسبها الأطباء أثناء إعدادهم لممارسة المهنة. ليس ما يفعله «واطسون» من دون سبب. ولا يعود إلى كلية الطب لأن الولاياتالمتحدة لديها نقص في الأطباء! ببساطة، وجد اختصاصيو المعلوماتية المتطوّرة والذكاء الاصطناعي ضرورة في هذا التدريب «من الأسفل إلى الأعلى» في الطب، كي يصبح «واطسون» قادراً على المساعدة في تدريب الأطبّاء داخل كليّة الطّب في «كليفلاند»، بولاية أوهايو. واكتسب هذا الحاسوب شهرةً حين تفوّق على منافسين بشر في برنامج الأسئلة التلفزيوني الأميركي «جيوباردي» السنة الماضية. ويراهن الاختصاصيون على ان التقنيات المعلوماتية التي يطوّرها برنامج عمل «واطسون»، سوف تُستخدَم في مستقبل قريب بشكل أكثر عملانية، بهدف مساعدة طلاّب الطبّ على التعامل مع حالات صعبة، وتقديم تشخيصات محتملة. مشاكل الذكاء الاصطناعي في المقابل، يرى بعض الأكاديميين الحذرين أنّ نُظُم المعلومات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعيّ، تشتمل على شوائب جمّة، خصوصاً عندما يتّصل الأمر بالتعامل مع معطيات نفسية وعاطفية، لا يسهل إدراجها في نُظُم ذكاء الآلات. ويشير بعض هؤلاء إلى أن عملية التشخيص تتضمّن أحياناً اللجوء الى نوع من الحدسّ الإنساني أثناء تقويم حال المريض علمياً، وهو أمر يستعصي على الذكاء الاصطناعي حاضراً. ويمثّل إعلان شركة «آي بي أم» عن عودة «واطسون» الخارق الى كليّة الطبّ، أحدث الجهود التي تبذلها هذه الشركة الأميركيّة لتطوير برامجها الذكيّة في مجال الرعاية الصحيّة. وفي وقت سابق، جرت الاستعانة بالحاسوب «واطسون» لمشروع في مركز للسرطان في نيويورك، وكذلك تخضعه شركة «ويلبوينت» للتأمين الصحيّ في أميركا، للتثبّت من قدرته على المساهمة في استحداث استمارات للعلاج والمتابعة. صُمّم حاسوب «واطسون» ليتمكّن من «فهم» ما يطلب منه عبر «مخاطبته» باللغة الطبيعيّة، كأنه كائن حيّ، ثمّ يستعمل ذكاءه الاصطناعي للتفكير في كميّات هائلة من البيانات غير المنظّمة المخزّنة فيه، كي يتوصّل لإعطاء أفضل الإجابات عن الأسئلة المطروحة عليه. ومن الطريف أن اسمه جاء تيمّناً بشخصية «واطسون»، وهو مساعد ذكيّ، في الروايات البوليسية عن شارلوك هولمز. وفي سياق تقديم خدمات الرعاية الصحيّة، يعمل «واطسون» على تحليل سجلاّت المريض، مع مقارنتها بما يرد عنها في المراجع الطبيّة. وصُمّم حاسوب «واطسون» بحيث يعطي قائمة بالأجوبة المحتملة عن الأسئلة التي يطرحها الأطباء عليه، كما يُصنّف تلك الأجوبة وفقاً لصلابة الأدلة المتّصلة بكل منها، ثم يقدّم الحلول الأكثر ترجيحاً من الناحية العلمية، إلى جانب معلومات تتعلّق بمدى تأكّد الحاسوب من صدقيّة هذه الأجوبة. إضافة إلى ذلك، صرّحت «آي بي أم» باعتزامها استخدام «واطسون» في كلية الطبّ في «كليفلاند كلينيك ليرنر»، بطريقة تساعده أيضاً على مساعدة الطلاّب في تقويم سيناريوات الحالات الطبيّة، والعثور على أدلّة تدعم الأحكام التي يتوصّلون إليها. وفي هذا الصّدد، قال مارتن هاريس المدير التنفيذي للمعلومات في المركز: «تعاون كليفلاند كلينيك مع شركة آي بي أم مشوّق، لأنّه يتيح لنا فرصة التفكير في سبلٍ قادرة على جعل الحاسوب آلةً فعّالة في الطبّ، من الناحيتين العلمية والعملانية». لغة الطب وعبّرت شركة «آي بي أم» عن أملها بأن يصبح الحاسوب الفائق «واطسون» أكثر «ذكاءً» في ما يتعلّق بفهم اللغة الطبيّة. وفي هذا الصدد، أوضح ديفيد فيروتشي، الباحث الرئيسيّ في مشروع «واطسون»: «تعاملنا مع الكلية والطلاب ضمن مؤسّسة مثل «كليفلاند كلينيك»، يساعدنا على معرفة طرائق التعليم بفعاليّة كبيرة، وتالياً العمل على تطوير الحاسوب «واطسون» عبر «تفاعل» مع الخبراء في مجال الطب وممارساته». ويضاف «واطسون» إلى جهود التعاون بين شركة «آي بي أم» ووحدة الأبحاث في «مركز ميمورال سلون كيترينغ» للسرطان في مانهاتن، نيويورك، الذي يعمل باشراف البروفسور هارولد فارمس الذي نال جائزة نوبل في الطب (1986) عن بحوثه في السرطان. ويعمل الطرفان على تطوير تطبيق رقمي ربما ساعد على صوغ الطُرُق الأفضل في المقاربة الطبية لكل مريض على حدة، بما يتّفق مع حال الورم السرطاني الذي يعانيه. ويسود أمل بقرب اختبار هذا التطبيق، من قِبَل مجموعة كبيرة من اختصاصيّي السرطان عام 2013. ووفق تقرير صدر عن «منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية» أخيراً، أنفقت الولايات المتّحدة ما يزيد على 2.6 تريليون دولار (1.6 تريليون يورو) على النفقات الصحيّة عام 2010، ما يشكّل 17.6 في المئة من إجمالي ناتجها المحلّي. وأشارت مجموعة من تقارير ل «آي بي أم» إلى أنّ ما يصل إلى تشخيص واحد من أصل خمسة يكون خاطئاً أو ناقصاً، كما يُرتكب قرابة 1.5 مليون خطأ طبي سنوياً في الولايات المتّحدة. علاوة على ذلك، أوردت التقارير عينها أنّ كميّة المعلومات الطبيّة تتضاعف كلّ خمس سنوات، ما يُصعّب على الأطباء متابعة التّطورات في هذا الحقل الحسّاس. ومن ناحية أخرى، دقّق باحثون في «مجموعة اتخاذ القرارات السريرية» («كلينيكل دسيجن مايكنغ غروب» Clinical Decision Making Group) في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، في استخدام الذكاء الاصطناعيّ في مجال الطبّ. وشمل عملهم إعادة تقويم برامج متخصّصة طبيّاً مثل «دكسبلاين» و «إيزابيل»، يفترض أنها تساعد الأطبّاء على التوصّل إلى التشخيص المناسب. وأشار أحد اختصاصيي الرعاية الصحيّة إلى أن الطب ما زال على مسافة «30 سنة علمية»، عن إمكان تحوّل الحاسوب اختصاصياً طبيّاً جديراً بالثقة مجال تشخيص الأمراض. ووفق فريد تروتر، مدير التكنولوجيا في مؤسّسة «كوشس بايشنتس»، يكمن جزء من هذه المشكلة في أنّ معظم المعلومات التي تستند إليها نُظُم الذكاء الاصطناعي تشتمل على شوائب تقنيّة كثيرة. وللنقاش صلة.