من يملك الرؤية يحقق نصف الهدف، ومن يملك الرؤية والوسيلة يحقق الهدف كاملا. منصف المرزوقي الذي اختارته تونس رئيسا شرعيا لها يقف أمام تحد شرس، فهو المعارض الذي ذاق نكال المنفى والسجن ودعا لمعنى الإنسانية ودافع ليتذوق طعم الحرية ويوزعها لمن حرم منها اليوم في أعلى هرم للدولة ويقف كسياسي داخل السلطة هل ستسقط مبادئه مع لعبة السياسة؟ هل سيروض السياسة ويهذبها لتكون اللعبة النظيفة العادلة لا القذرة؟! السلطة مخادعة ومراوغة وتمتزج بكثير من المداهنة، هل يمكن أن يقتلع كل هذا الغثاء ويترك بذرا جديدا؟ أم يقع في فتنة السلطة فتعميه عن رؤيته التي ناضل من أجلها فيتوه في ضلال لا هداية منه؟ تلاحق أسئلتنا ومحاولة استقراء المستقبل التونسي ما هو إلا طموح متعلق بأمل كبير أن تكون تونس مؤسسة لمستقبل العرب السياسي. كلنا نثق أننا في طور تغير جذري، فالمنطلق الأول للثورات كان تحت رفض النظم الدكتاتورية والاستبدادية وتأسيس عدالة وحرية إنسانية، وهي بداية وعي جمعي مناهض لكل أنظمة الفساد والإفساد الداخلي لمؤسسات الدولة والخارجي كعلاقات دولية. منصف ليس مسؤولا عن مشكلات النظام السابق لكنه ملزم بتصحيح المسار، حيث كثير من الملفات داخلية وخارجية، وحقائب وزارية مدنسة انتهك طهرها فساد.. تنتظر إصلاح وإعادة هيكلة تحت مبادئ الدين والدستور العادل. لن نرفع سقف التوقعات لكن نؤمن أن ما بدأته تونس هي ما سندرسه كتاريخ مجيد، وكمنهج قابل للتطبيق. تونس علمت العالم العربي معنى الكرامة، علمته كيف تكون الثورة اقتلاع استبداد ودخول مرحلة مشرقة. تونس علمتنا معنى الانتخاب والإنصاف ومعنى الديمقراطية وطريقة تأسيس بناء أمة جديدة حرة، واليوم على منصف أن يعلم العالم كيف يدار الحكم وكيف تكون السياسة عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. وهو من بدأ رئاسته بدموع تغسل آلام الماضي وتستشرف المستقبل. وهو على يقين أن الانتقال من موقع المعارضة إلى موقع السلطة تحد عظيم. ما مدى قدرته على تطبيق برنامجه السياسي، وما مدى تطويع التغيير لصالح الشعب التونسي؟ سننتظر إجابة الأيام حتى نقر أن مبادئه كانت وعد حر وفعلا بعد قول.