تمثل الخطبة في المفهوم الشرعي الوسيلة الإعلامية الأولى، وتكتسب أهميتها من كونها مرتبطة بصلاة الجمعة، والتي جاء الشرع بتوضيح أهميتها بشكل خاص، حيث تعتبر ملتقى أسبوعيا، يلتقي فيه الناس ويستمعون إلى توجيهات تكفيهم طيلة الأسبوع، فهي الملتقى الذي كان ولا يزال منبرا يخلف فيه الخطباء النبي، صلى الله عليه وسلم، فمن خلاله ترسل التوجيهات المباشرة وغير المباشرة، ولأن الخطابة ذات صلة مباشرة بالمجتمع وهمومه وقضاياه تبرز أهمية العناية بها، ومحاولة الاستفادة منها بأقصى ما يمكن، لكن بعضا من الخطباء استفاد من الحرية التي أتيحت له بشكل عكسي، فهو يخطب عن الزكاة في موسم الحج، وعن الحج في موسم الصوم، فهو بعيد كل البعد عن حاجة البيئة التي حوله، فضلا عن تحويل عدد كبير من هؤلاء إلى خطب جافة، ذات دلالات رمزية صعبة الفهم، فيوقع المصلين في حيرة كبيرة، هذا الأمر جعل العديد يتحدث عن توحيد الخطب في السعودية، وتضييق دائرة المواضيع المطروحة، حتى تخرج خطبا متميزة تفيد المتلقي، وتكفيه جرعة دينية طيلة أسبوع كامل، لكن هذا التحديد أو التوحيد قد يجد قبولا من فئة أو رفضا من فئة أخرى. موافق في هذه الحالة في البداية رحب الشيخ محمد السعد «خطيب» بالفكرة لكن لا تكون إجبارية للخطباء، بحيث تقدم المواضيع بشكل اختياري، وعلى الخطيب أن يختار الموضوع الذي يرى مناسبته حسب البيئة والزمان والمكان؛ لأن بعض القرى أو الهجر لا يعرفون مثلا عن بعض القضايا الحادثة شيئا وليس من المهم أن يعرفوا ذلك، فمن الصعب إرغامهم على استماع خطبة لا تعني لهم شيئا، كما أن المملكة مترامية الأطراف ولدى كل مدينة قضايا تهمها، فتعميم الفكرة على كل المدن أرى أنها صعبة، لكن أن يجتهد المسؤولون في الوزارة ويقدموا اقتراحات أسبوعية للخطباء عن مواضيع تهم الناس من خلال استقراء معين فهذه فكرة جيدة وأشجع عليها، أما أن تأتي الخطبة جاهزة ومعلبة من أجل إلقائها، فهنا يقتصر دور خطيب الجمعة على مجرد الإلقاء وفيه إلغاء لدوره المهم في توضيح المشكلات وإزالة الغموض الذي يكتنف بعض القضايا التي تكون متداولة في مكان دون غيره، وفي حقيقة الأمر ننتظر مثل هذه الخطوة؛ لأنه أحيانا يعجز الخطيب عن اختيار موضوع مناسب فيكون دور الوزارة الاستشاري ذا أهمية كبيرة. خطوة غير موفقة من جهة أخرى قال الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام وخطيب سابق إن مسألة تحديد الخطب مسبقا، وتقديمها للخطباء لإلقائها يعد أمرا غير جيد بالنسبة إلى الخطيب وحتى لجماعة المسجد، وأوضح الحنيني أنه في حال إقرار هذا الأمر بشكل رسمي، ستحصل بعض الإشكاليات الكبيرة، من ضمنها أن الخطيب في الغالب يتولى الكشف عن مواضيع المجتمع الضيقة وحتى الواسعة، فعند وجود مشكلات بين أبناء الحي ثم لا يستطيع الخطيب أن يتكلم عنها، بل يتكلم عن موضوع خطبة قد ألزم به، وقد يكون بعيدا عن هموم أبناء الحي وقضاياهم، ونحن نطالب الخطباء ألا يبتعدوا كثيرا عن معالجة قضايا المحيط الصغير ثم يحاولون التوسع، وحول وجود بعض من الخطباء يشطح من خلال عرضه لمواضيع وخطب جاهزة أصلا ويأخذها من الإنترنت، أكد الحنيني أن وجود مثل هذه الظاهرة ولو كان على نطاق ضيق لا يجعل المعنيين بالأمر يحجروا واسعا، فكثير من الخطباء أيضا لديه القدرة الكافية على سبك وكتابة خطبة يتناول فيها هموم المجتمع، وظهور فئة لا تذكر ممن تظهر من قبلهم مخالفات، لا يعني بالضرورة وجودها عند آخرين، ويمكن القضاء على هذه المشكلة باختيار الأكفاء من الخطباء كخريجي الكليات الشرعية في الجامعات وهم كثر ولله الحمد، وحول تطوير الخطباء وتقديم المشورة والتوجيه لهم من قبل الجهة المعنية، أشار الحنيني إلى ضرورة تقديم دورات تدريبية لهؤلاء الخطباء، خاصة في كيفية تقديم خطبة نموذجية للمحيط الذي يعيش فيه، وكذلك في فنون الإلقاء والتعبير؛ لأن كثيرا من الخطباء ربما لا يستطيع أن يقدم الخطبة بصورة مقبولة للمصلي، مع أن خطبته مؤلفة بطريقة مفيدة وترسل رسائل إيجابية متعددة، وألمح الحنيني إلى مناسبة التفاهم بين خطباء الحي الواحد، والمناقشة فيما بينهم لمحاولة الخروج بمواضيع يتفق عليها، وتظهر أهميتها جليا من خلال الحوار والحديث مع بعضهم بعضا. معها وضدها أيضا من جهة أخرى قال الشيخ ناصر الحمد خطيب جامع ابن ماجه، إنه مع قرار تحديد المواضيع وضده في الوقت نفسه، وبين الحمد أن الأسباب التي دعته لضرورة الحديث بالإيجاب والقبول لمثل هذه الفكرة أوضح الحمد أن عند وجود النوازل في الأمة أو حتى في المجتمع فبالتأكيد أن المجتمع بحاجة لتسليط الضوء على هذه القضية أو تلك، وربما في حال عدم التوضيح للخطيب من خلال إرسال التعاميم أو الإرشادات قد يغفل عن الإشارة لهذا الحدث أو ذاك، فبالتالي أرى ضرورة الإشارة إلى هذا الأمر وتوجيه الخطباء إلى الحديث حوله، خاصة عندما يتعلق الحديث عن أحداث للأمة الإسلامية أو أحداث داخلية كقضايا الإرهاب وغيرها، وحول الجزئية الأخرى وهي رفضه للتحديد، بين الحمد أن في حال الإلزام الكامل في جميع المواضيع وليس بعضها كما يطالب، ستكون الفائدة المطلوبة أو المأمولة من الخطباء قد انتفت، حيث أصبحوا مجرد ملقين لمواد جاهزة مسبقا، مما يقتل الإبداع لدى الخطيب ويجعله مكتوف الأيدي حيال ما يأتيه، والأفضل أن يتم توسيع الخيار للخطيب بأن يخطب عما يشاء، خاصة لو توفرت ودعت الحاجة إلى الحديث عما اختاره من موضوع، والربط بين جميع أنحاء المملكة بخطب محددة أمر فيه صعوبة كبيرة، وحتى بين خطباء المدينة الواحدة، لكن لو ترك للخطيب الخيار ومن ثم اختيار الخطباء المجيدين الأكفاء، فالأمر سيكون أكثر قبولا وفائدة، وطالب الحمد خلال حديثه بأن تتم الاستعانة بخريجي الكليات الشرعية؛ لأنهم على حد تعبيره ستكون الخلفية العلمية والشرعية متوفرة فيهم دون غيرهم، مما ينعكس على المجتمع من ناحية تقديم هؤلاء الخطباء لخطبهم التي استقوا أفكارها من بيئتهم المحيطة، وأضاف الحمد أن وزارة الشؤون الإسلامية تقوم بجهد مشكور في توجيه الخطباء للحديث حول مواضيع معينة، وإن كان هو شخصيا سيخطب عنها دون توجيه، كما حدث في الكثير من قضايا الإرهاب التي مرت بالمملكة خلال الفترات الأخيرة .