تمثل الخطابة أكثر الوسائل الدينية أهمية في المجتمعات الإسلامية، انطلاقا من كونها الوسيلة الشرعية الجماهيرية الوحيدة، التي تعد جزءا من التشريع الإسلامي، وتبرز أهميتها من خلال اجتماع الناس، واهتمامهم بالاستماع إليها في المسجد، دون تمييز بين كبير وصغير، وليوم الجمعة خصائص متعددة، يمكن لخطبة الجمعة أن تحدد مسار الأسبوع كاملا من خلال جملة الوصايا والقضايا التي يتم عرضها في الجوامع من قبل الخطباء، لكن المشكلة تكمن في غياب الدور المفترض من قبلهم، وحضور دور ضعيف يتمثل في خطبة ركيكة ضعيفة عند بعض الخطباء، ولا يمكن العلاج ما دام الاعتراف بالمشكلة لم يحضر حتى الآن، مع أن المراقب البسيط يلحظ هذا الأمر؛ ما يجعل الحمل على عاتق وزارة الشؤون الإسلامية التي هي معنية بالدرجة الأولى، ومسؤولة عما يقدمه الخطباء من خطب للمجتمع. مهارة الخطابة في البداية تحدث الدكتور خالد البكر «إمام وخطيب» مؤكدا أن «الخطابة مهارة وفن وقوة يقصد بها التأثير على الآخرين وإقناعهم واستمالتهم، فكانت بذلك أشد الأنواع الأدبية التزاما، وحتى تكون الخطبة ذات أهمية لدى المتلقي فمن المهم أن يعي الخطيب أنه يعرض علمه وعقله وفكره على الناس، فيقدمه بكل طواعية ورحابة صدر على مشرحة النقد والتمحيص كما عليه أن يدرك كيفية محاكاة المراحل العمرية والمستويات المتباينة والاهتمامات المختلفة، فكل يريدك أن تغرد في سربه وتدور في فلك اهتماماته المختلفة مع عدم إغفال ما يستجد من أمور وأحداث آنية تتطلب معالجة سريعة، قد تحتاج إلى لجان وعقول لقراءتها وتحليلها ودراستها، كما أن اختيار الموضوع، يشكل 70 % من وجهة نظري وتبقى النسبة الباقية 30 % للإعداد». وشبه الدكتور البكر الخطيب كما لو كان يخوض غمار معركة، فعليه أن يتدرع بدروعها، ويلبس لها لأمتها، ولا يكون ذلك إلا بالاستعداد والتهيؤ، فإن لم يكن كذلك فستهتز فكرته ويضعف أسلوبه ويتراخى أداؤه وتكون معالجته سطحية، تفقد تأثيرها وتخسر جمهورها. وحدد البكر للخطبة المؤثرة ثلاثة أسس، الأول: قلب مفكر وهو إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، «وهو يشكل النسبة الكبرى من معاناتي كخطيب». والثاني أن يحرص الخطيب على البيان وهو التنسيق والترتيب والرص. والثالث أن يكون ذا لسان معبر. وبعد أن تستقر هذه الأسس بتفصيلاتها في المخيلة، عليه أن يبحث عن استهلالة جذابة تجذب فيها المتلقي من بدايات الخطبة وهنا أذكر نفسي وإخواني الخطباء أن «النحلة تمتص مليون زهرة من أجل أن تعطينا 100 جرام من العسل» فلتكن هذه الحكمة نصب أعيننا إن أردنا أن ننجح في توصيل رسالتنا بشكل إيجابي. ضعف الخطبة والخطيب وحول الشكوى من ضعف الخطباء وصحة هذا من عدمه أكد البكر أن الكثير من الناس يشكو إما من ضعف الخطبة أو أسلوب الخطيب أو كليهما والمتابع لواقع الخطباء يجد أن الأقلية منهم هي المتميزة والمؤثرة، رغم أن الكثير منهم قضى سنوات عديدة فوق منبره خطيبا إلا أنه لم يطور نفسه ولم يتقدم، فهناك مشكلة يجب أن نعترف بها لأنه جزء من الحل، يدخل الخطيب وقلما تجد جامعا قد امتلأ بالمصلين قبل بدء الخطبة، وبعض المصلين لا يستيقظ من سباته أو من شروده الذهني إلا مع إقامة الصلاة، وقد يكون الخلل في المصلي نفسه، وهذا له أسبابه وطرق علاجه، ولكن ما يعنينا هنا إذا ما كان الخلل من الخطيب نفسه فلا يعتني بموضوع الخطبة ولا طريقة إلقائها، فكيف نعالج هذه المشكلة؟ ألقى البكر بالمسؤولية في ضعف الخطباء على عاتق الجهة المخولة بالخطباء، فاللجان الموكلة باختيار الخطيب عليها أن تكون مؤهلة، لها معرفتها اللصيقة بالخطابة وفنونها وأساليبها حتى تستوعب مسألة اختيار الخطيب، وتعطي للمتميزين مكانتهم وقيمتهم، كما أن على الجهة المخولة مسؤولية تطوير الخطباء بإقامة الدورات المتخصصة في ذلك كفن الإلقاء والتأثير وكيفية الإعداد. وما ذكرناه سابقا لا يعفي الخطيب من مسؤولية تطوير نفسه والارتقاء بقدراته واكتشاف مواهبه بحضور الدورات المتخصصة بفن الخطابة، ويتخللها الممارسة العملية التدريبية وإن استلزم الأمر أن يدفع من ماله، كما عليه أن يستمع إلى خطب الخطباء البارزين للاستفادة من أساليبهم وطريقة عرضهم، كما عليه أن يسعى إلى قراءة نقدية لخطبته بتسجيلها والاستماع إليها ونقدها، وعرضها على غيره من المتخصصين للاستفادة من آرائهم وملاحظاتهم. فالمسؤولية تقع على الجميع، على الجهة المخولة التي ينتمي لها الخطباء، وعلى الخطباء أنفسهم، وأضيف أيضا المتلقين والمصلين، فالمستمع له دوره في توجيه خطيب الحي بالتواصل معه وتقديم الرأي والمشورة والاقتراحات وتدوين الملاحظات. دور الخطباء وحول الدور الحقيقي الذي يمثله الخطباء اليوم أوضح الشيخ محمد السلطان أن الخطيب يجب أن يمارس دور النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، والصالحين من بعده؛ فعليه أن يكون مواكبا لكل القضايا التي تهم محيطه الاجتماعي، فمشكلة كثير من الخطباء أنهم ينسخون الخطب من الإنترنت ولا يقرؤونها إلا وهو على المنبر، فتجد أن مناسبتها مثلا قد ولت، أو حتى بقي عليها زمن طويل، وكثير من هذه الخطب قد قيلت ربما قبل عشرات السنوات، ويعيدها هذا الخطيب مرة أخرى، وهم يقومون بهذا الأمر لعدم وجود مراقبة من قبل الوزارة أو حتى توعية إذا اعتبرنا أنها تحيي وتشجع فيهم المراقبة الذاتية، وليس سرا إن قلنا إن بعض الخطباء لا يحسن القراءة بشكل مرض على الأقل، فضلا أن يكون بارعا في اللغة العربية. وطالب الشيخ السلطان الخطباء بضرورة تجديد خطابهم الدعوي ليتواكب مع المرحلة التي يعيشونها، فمشكلة جهاز مثل البلاك بيري تعد مشكلة متنامية في المجتمع ولم تطرح للنقاش، كما أن الشباب لا يجدون مواضيعهم التي تهمهم موجودة على أرض الواقع ما يجعلهم لا يحرصون كثيرا على انتقاء الخطباء لأن الجيدين منهم اليوم أصبحوا نادرين للغاية، والمطلوب أن يحرص الخطباء على تدريب أنفسهم بشكل جيد على المهارات الخطابية، وانتقاء المواضيع المميزة التي تهم المجتمع المحيط. وأضاف السلطان: هناك لوم يقع على عاتق الوزارة التي لم تقدم أي خدمة لهؤلاء الخطباء، فهي مقصرة حتى في متابعتهم، خاصة أن بعض الخطباء غير مؤهلين لأن يعتلوا المنبر ليكونوا خطباء جمعة، فمواصفاتهم وثقافتهم وأسلوبهم كلها تجعل منهم يصلحون لأي شيء إلا الخطابة، وأستغرب بحق كيف سمح لهم أن يكونوا خطباء، وكيف لجماعة المسجد أن يتحملوهم كل هذا الوقت، وأتمنى من الوزارة أن تقوم بعمليات مسح وتقويم للخطباء لكي يتعرفوا على الوضع، ويصححوه، فما يحصل الآن لا يرضي بالتأكيد. مسؤولية صعبة من جهة أخرى أكد خطيب جامع الناصر بحي الأندلس الداعية المعروف الدكتور خالد الخليوي، أن الخطابة تعد مسؤولية صعبة، على الخطيب نفسه ما لم يكن مهيأ لها بصورة حسنة، كما أن الخطيب عليه التعببر عما يدور في مجتمعه الصغير، وأن يكون متابعا لكل القضايا، وأن يتحدث عنها برؤية شرعية مدعمة بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، وأن مجرد صف الكلام الإنشائي دون أن تتخلله الأدلة، يفقد الخطبة سمتها الدينية الشرعية، وتمنى الدكتور الخليوي، أن يهتم الخطباء بتطوير قدراتهم الاتصالية، فيتعرفوا على طرق التلوين الصوتي، وتركيز الخطاب وتوجيهه بصورة صحيحة، وألا يقع الخطيب في خطأ التطويل على المأموم، وأن يأخذ في اعتباره الدراسات النفسية التي تؤكد عدم استجابة المستقبل إذا أطال المرسل في حديثه الموجه، وتناول الخليوي أهمية الخطابة وأن لها دورا محوريا، متى ما استغلت بصورة إيجابية، فما يمكن إيصاله من خلالها، يعد جزءا كبيرا ولكن هذا لا يتحقق ما لم يكن الخطيب مؤهلا لذلك. وشدد الخليوي على أهمية الخطابة ودورها الكبير في توجيه المجتمع، حيث قال: هي فرصة كبيرة للتخاطب مع الناس فيما يحتاجون إليه، والصعوبة فيها تكمن في حضور الأمير والوزير والحارس والمعلم والطبيب والمربي والشخص العادي، باختصار كل أطياف المجتمع، وبالتالي هي تعد مسؤولية كبيرة، وأنا أقول حتى تؤدي الخطابة دورها، لا بد من توفر عدة أمور مهمة، لأن الخطابة يا أخي الكريم، مسؤولية عظيمة، ويجب أن نعطيها الاهتمام البالغ والصحيح، فلا بد من أن يكون الاهتمام كبيرا بالإلقاء ومعرفة مهارات التلوين الصوتي، والإيماءات الجسدية، والحديث باسترسال وأسلوب مميز. ورفض الخليوي أن تتحول خطب الجمعة إلى خطابات سياسية، مؤكدا أن الآراء السياسية تحتاج إلى قرار، وهو أمر لا يتوفر في الخطيب، لذلك رأيه ليس ذا أهمية، لذا فهو يطالب أن يكون موضوع الخطبة التي يتحدث عنها الإمام ذا صلة بالجمهور المخاطب، وأن يكون هذا الموضوع مقاربا للواقع، وهناك نقطة مهمة، وهي ألا يتجاوز الخطيب حدوده في كثير من المواضيع، خاصة تلك التي تحتاج إلى قرار سياسي، لا ناقة له فيه ولا جمل .