تمثل الخطابة الوسيلة الإعلامية الإسلامية الأولى؛ فهي الملتقى الذي كان ولا يزال منبرا يخلف فيه الخطباء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن خلاله تُرسَل التوجيهات المباشرة وغير المباشرة؛ ولأن الخطابة ذات صلة مباشرة بالمجتمع وهمومه وقضاياه، تبرز أهمية العناية بها، ومحاولة الاستفادة منها بأقصى ما يمكن من خلال خطبة صلاة الجمعة، وإذا ما ربطنا بين أحاديث صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، للخطباء وتوجيههم في بعض الأمور التي تتعلق بالخطيب والخطبة الأسبوع الماضي.. يتبادر بأذهاننا سؤال ليس جديدا بقدر ما هو صالح لزمن تعاني فيه الأمة من المؤامرات التي تحاول النيل من الأمة والتغرير بأبنائها.. ألا وهو: “ما مدى إمكان توحيد خطبة صلاة الجمعة ومواكبتها للأحداث العصرية.. بدلا من ترك الأمر كما هو عليه؟.. “شمس” توجهت بهذا السؤال إلى بعض المهتمين، الذين كانت إجاباتهم متباينة.. توحيد الخطبة أمر غير موفق في البداية، قال الشيخ ناصر بن يحيى الحنيني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام وخطيب سابق: “إن مسألة تحديد الخطب مسبقا، وتقديمها للخطباء لإلقائها تعد أمرا غير جيد بالنسبة إلى الخطيب وحتى إلى جماعة المسجد”. وأوضح الحنيني، أنه في حال إقرار هذا الأمر بشكل رسمي، ستحصل بعض الإشكاليات الكبيرة، من ضمنها أن الخطيب في الغالب يتولى الكشف عن مواضيع المجتمع الضيقة وحتى الواسعة، فعند وجود مشكلات بين أبناء الحي، ثم لا يستطيع الخطيب أن يتكلم عنها، بل يتكلم عن موضوع خطبة قد ألزم به، وقد يكون بعيدا عن هموم أبناء الحي وقضاياهم، ونحن نطالب الخطباء بألا يبتعدوا كثيرا عن معالجة قضايا المحيط الصغير ويتركوا محاولة التوسع. تحجير على الخطباء وحول وجود بعض من الخطباء (يشطحون) من خلال عرضهم مواضيع وخطبا جاهزة أصلا من الإنترنت، أكد الحنيني، أن وجود مثل هذه الظاهرة ولو كان على نطاق ضيق لا يجعل المعنيين بالأمر يحجرون واسعا، فكثير من الخطباء أيضا لديه القدرة الكافية على سبك وكتابة خطبة يتناول فيها هموم المجتمع، وظهور فئة لا تذكر ممن تظهر من قبلهم مخالفات، لا يعني بالضرورة وجودها عند آخرين، ويمكن القضاء على هذه المشكلة باختيار الأكْفاء من الخطباء كخريجي الكليات الشرعية في الجامعات، وهم كثر ولله الحمد. لا بد من تنويع خطباء الحي الواحد وحول تطوير الخطباء وتقديم المشورة والتوجيه لهم من قبل الجهة المعنية، أشار الحنيني إلى ضرورة تقديم دورات تدريبية لهؤلاء الخطباء، خاصة في كيفية تقديم خطبة نموذجية للمحيط الذي يعيش فيه، وكذلك في فنون الإلقاء والتعبير؛ لأن كثيرا من الخطباء ربما لا يستطيع أن يقدم الخطبة بصورة مقبولة للمصلي، مع أن خطبته مؤلفة بطريقة مفيدة وترسل رسائل إيجابية متعددة، وألمح الحنيني إلى مناسبة التفاهم بين خطباء الحي الواحد، والمناقشة فيما بينهم لمحاولة الخروج بمواضيع يتفق عليها، وتظهر أهميتها جلية من خلال الحوار والحديث مع بعضهم البعض. حسب النوازل من جهته، قال الشيخ ناصر الحمد خطيب جامع ابن ماجه: إنه “مع قرار تحديد المواضيع وضده في الوقت نفسه”. وبيَّن الحمد، أن الأسباب التي دعته إلى ضرورة الحديث بالإيجاب والقبول لمثل هذه الفكرة، أن عند وجود النوازل في الأمة أو حتى في المجتمع، فبالتأكيد أن المجتمع في حاجة إلى تسليط الضوء على هذه القضية أو تلك، وربما في حال عدم التوضيح للخطيب من خلال إرسال التعاميم أو الإرشادات قد يغفل عن الإشارة إلى هذا الحدث أو ذاك، فمن ثم أرى ضرورة الإشارة إلى هذا الأمر، وتوجيه الخطباء إلى الحديث حوله، خاصة عندما يتعلق الحديث بأحداث للأمة الإسلامية أو أحداث داخلية كقضايا الإرهاب وغيرها. التحديد ينهي فائدتها وحول الجزئية الأخرى وهي رفضه التحديد، بيَّن الحمد، أن في حال الإلزام الكامل بجميع المواضيع وليس بعضها، كما يطالب، ستكون الفائدة المطلوبة أو المأمولة من الخطباء قد انتفت، حيث أصبحوا مجرد ملقين لمواد جاهزة مسبقا؛ ما يقتل الإبداع لدى الخطيب، ويجعله مكتوف الأيدي حيال ما يأتيه، والأفضل أن يتم توسيع الخيار للخطيب بأن يخطب عن ما يشاء، خاصة لو توافرت ودعت الحاجة إلى الحديث عما اختاره من موضوع، والربط بين جميع أنحاء السعودية بخطب محددة أمر فيه صعوبة كبيرة، وحتى بين خطباء المدينة الواحدة ، لكن لو ترك للخطيب الخيار ومن ثم اختيار الخطباء المجيدين الأكْفاء، فالأمر سيكون أكثر قبولا وفائدة. استعينوا بخريجي الشريعة طالب الحمد خلال حديثه بأن تتم الاستعانة بخريجي الكليات الشرعية؛ لأنهم على حد تعبيره ستكون الخلفية العلمية والشرعية متوافرة فيهم دون غيرهم؛ ما ينعكس على المجتمع من ناحية تقديم هؤلاء الخطباء لخطبهم التي استقوا أفكارها من بيئتهم المحيطة، وأضاف الحمد بأن وزارة الشؤون الإسلامية تقوم بجهد مشكور في توجيه الخطباء للحديث حول مواضيع معينة، وإن كان هو شخصيا سيخطب عنها دون توجيه، كما حدث في الكثير من قضايا الإرهاب التي مرت بالسعودية خلال الفترات الأخيرة.