إن صعود المجتمع وتطوره والتغيير الذي يتم بإيقاع متسارع يفقد أفراده التركيز والقدرة على استيعاب المتغيرات المختلفة ويحول دون تمييزهم للإيجابيات ومستوى السلبية وحقيقة الخوف من الجديد، مما يولد نوعا من الاضطراب أو الإحجام وحتى التوتر فلا يستطيعون الاندماج ويخشون فقدان ما آمنوا به.. وما وجدوا آباءهم عليه.. فتراهم يهاجمون بلا دليل مقنع. إذ إن أي محاولة لإحلال جديد هو ثورة ضد القديم في جوهره، فتبدو لهم عملية التغيير عملية انسلاخ ويحق لهم؛ لأن بعض التغيير يقدم لهم بلا بيان الأسباب، والحاجة بيانا واضحا. لنأخذ مسألة الجدل الاجتماعي حول قضية تغيير الإجازة الأسبوعية بأن يحل يوم الخميس يوم سبت وتلعب الجمعة دور الأربعاء.. رفض الشارع السعودي ذلك وهذا ما رصدته قناة روتانا بالأمس في برنامج قضية رأي عام! لماذا يرفض الشارع السعودي بالرغم من عدم تعارض ذلك مع الشريعة؟ لا مبرر غير أنه، القديم، مألوف! لكن حين يصاغ التغيير بمبرره سيخفف حدة الرفض ويكون مقنعا للشارع الذي يتطلع لمزيد من التقدم. إن البنية الذهنية في أي مجتمع لا تتقبل التغيير وأقصد التغيير المعنوي/ القيمي أما الحضاري فيبدو أنه يجد استجابة أسرع فالتغيير المادي أسرع من التغيير الفكري والأخير يقابل بالمقاومة الشرسة ويحنط في مكانه عقودا من الزمن كاستسلام للواقع.. لو تأملنا المجتمع في مراحل مختلفة نجد نفس الأمور الممنوعة ونفس المرفوض قائما، وحادا.. هل نحن لا نلد أجيالا جديدة، كما قالها مفكر، إنما نلد آباءنا وأجدادنا..؟! وحين يطالب الأفراد بالتغيير ليس معناه طمس القديم ونبذ الماضي وإعلان القطيعة مع التراث، بل هو طلب المرونة وقراءة الأشياء بطريقة حديثة لبناء مرحلة جديدة لها صلة بالمستقبل.. تحفظ المصلحة العامة وتبقي كلا على شرائعه ودينه. فالتغيير المحكم يتفهم الواقع الاجتماعي وطبيعة المجتمع المحافظة فلا يكن مخططه صادما أو مستفزا للقيم الدينية والاجتماعية، ومن واجبه أن يدرس المستقبل مع توازن شديد في مستوى التوقعات كي لا نحبط ولا نزهد.