سأله أحدهم عن وظيفته فأجاب على استحياء: «معلم»! لم يتمكن من حوله من إخفاء نظرات الإشفاق أو السخرية وهم يرددون: ما شاء الله!! فهو يدرك جيدا أن وظيفته ترتبط في أذهانهم ب«النسوية»، وقد كان حريا به أن يكون عاطلا على أن يكون معلما.. على الأقل ستكون للبطالة حججها التي يمكن أن يقف وراءها! وليقطع الصمت الطويل سأله آخر بقصد عدم الإحراج: «وليش يا خي ما تشوفلك شغله ثانية براتب أعلى؟» دون أن يدرك أن معلمنا هذا كان تخصصه جغرافيا ما يعني عقدا مؤبدا في مجال التعليم.. يفتح هذا المشهد في أفق مخيلتي أن أعاصر يوما يعلن فيه عن انقراض المعلمين السعوديين وفتح باب استقدام معلمين بنجلاديشيين أو فلبينيين! ومع أنها وظيفة أصبحت «نسائية» إلا أن نسبة المعلمات إلى الطالبات أصبحت تتضاءل أيضا - بحسب إحصاءات لم تثبت مدى صحتها - فكثير من المعلمات اليوم يفضلن التمسك بوظيفة التعليم لأسباب سطحية لا تتعلق بجوهر هذه الوظيفة منها مثلا تفادي الاختلاط، أو قلة ساعات العمل.. إلخ! وإضافة إلى جرعة اليأس السائدة قد يصاب الطالب اليوم باكتئاب حاد وقد يحزم المعلمون أمتعتهم حين يعايشون تجربة نظام التعليم السنغافوري، الذي يتدرج فيه المعلمون صعودا على سلم وظيفي يتكون من أربعة مستويات، وفي كل مستوى يتحمل المعلم المزيد من المسؤوليات وبناء عليه المزيد من المكافآت.. ولا يكون التدرج عشوائيا بل بناء على مستوى الطلاب ورد فعل الآباء والمشرفات! وبعد تجاوز المستويات الأربعة يخير المعلم بين المساهمة في تطوير البرامج المدرسية وتحسين مستوى المدرسة.. أو شغل منصب أكاديمي كمستشار للكوادر الجديدة أو منصب إداري كرئيس قسم أو نائب مدير أو مدير أو حتى أن يعمل لصالح وزارة التعليم! ولا يحرز أعلى درجات التقييم «A» سوى 2 % من المعلمين مما يضمن تصفية المدارس من الفئة غير المؤهلة! كل ذلك في الوقت الذي يتدارك فيه مسؤولونا صرف الهبات لمعلمين بعد تعدي الطلاب عليهم أو لأسر معلمات راحوا ضحايا حوادث حريق أو انقلاب حافلات!