سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خرجت من «التربية» غير راضٍ .. والملك عبد الله أهداني طوق الوفاء 60% من الطلاب كانوا حفاة .. ولم نعرف من وسائل النقل سوى الحمير .. د. سعيد المليص ل عكاظ :
خمسة وستون عاما وكلمة (أستاذ) هي الأقرب إلى قلب الدكتور سعيد بن محمد المليص صاحب المسيرة التربوية الطويلة والزاخرة التي بدأت بمهنة معلم في إحدى المدارس الابتدائية في الباحة عندما كان عمره 11 عاما، ثم تدرج في المناصب التربوية إلى أن تم تعيينه نائبا لوزير التربية والتعليم في ربيع الأول من عام 1426ه بالمرتبة الممتازة. وكانت من أبرز محطات هذه الرحلة أيضا عودته في حالة فريدة إلى مجلس الشورى، حيث سجل سابقة هي الأولى من نوعها في المملكة فقد كان عضوا في الدورة الأولى للمجلس ثم عاد إلى عضوية المجلس مرة أخرى في الدورة الحالية بعد غياب دام أكثر من عشرة أعوام. الدكتور المليص من الرعيل الأول الذي شهد انطلاقة وتطور مسيرة التعليم في المملكة. إنه من مواليد قرية الريحان في الباحة التي انطلق منها ليتواصل عطاؤه بتقلده عددا من المناصب، منها مسؤوليته عن التطوير التربوي، ثم تقلد وظيفة الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم، وعضوا تنفيذيا في اليونسكو، ومديرا عاما لمكتب التربية العربي لدول الخليج لمدة ثمانية أعوام، ثم انتقل إلى محطة نائب وزير التربية والتعليم في المملكة حيث وجد نفسه محاطا بعدد من الملفات المتراكمة التي حاول أن يخوض غمارها وفك شفرتها للمساهمة في تصحيح المسيرة التعليمية بحكم خبراته التربوية المتعددة، ونجح بالفعل في تحقيق بعض من أحلامه في الوزارة وترك البعض الآخر لمن يأتي من بعده. وبين ما حققه وما تركه يفتح قلبه ل «عكاظ الأسبوعية» قائلا: «أعتز بكل ما خطته يدي في الوزارة، لكني خرجت منها وكأنني لم أفعل شيئا، لعظم المسؤولية وكثرة متطلبات الناس. ومن يعمل في وزارة التربية والتعليم عليه أن يحرص على نظافة قلبه ولسانه ويده وجيبه عند خروجه». تفاصيل كثيرة ومحطات عدة يملأها الكثير من الآهات والابتسامات أيضا في حوار إنساني لا تنقصه الصراحة. • كيف كانت طفولتك؟ ولدت في قرية الريحان، وهي قرية صغيرة حالمة على سفح جبل من جبال الباحة في زمن لم تطأ فيه السيارة بعد تلك المنطقة التي لم تكن تعرف إلا «علوم السوق»، وفي هذه القرية لم أعرف الطفولة بمعناها الحالي لصعوبة الحياة وشظف العيش، فقد حصلت على الابتدائية في أول دفعة في المنطقة عام 1373ه، وكنت في الحادية عشرة من عمري إذ إن الترفيع من سنة إلى أخرى كان جائزا في ذلك الوقت لمن يحرز تقدما في صفه. وبعد تخرجي كانت نية عائلتي وعلى رأسها ابن عمي الشيخ سعد المليص (نائب التعليم في المنطقة آنذاك) أن توفدني إلى مدرسة تحضير البعثات في مكةالمكرمة عام 1374ه، إلا أن بريق الوظيفة شجع عائلتي على أن أنخرط في سلك التدريس معلما وعمري لا يتجاوز الحادية عشرة، وكان هذا حال الكثيرين من أقراني في المنطقة وفي المملكة، وكان ذلك بعد تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (يرحمه الله) زمام وزارة المعارف، حيث نشر مشاعل النور والمعرفة في كل زاوية وركن من أركان هذا البلد وفتح أعدادا هائلة من المدارس في ذلك الوقت. • قرية الريحان ماذا تعني لك؟ هذه القرية تعني لي ولأبناء المنطقة الكثير، فالجميع ما زالوا يعيدون الفضل للشيخ سعد المليص ابن هذه القرية الذي أتاها بعد أن تعلم في مكةالمكرمة، حيث تسلم زمام مدرسة بني ظبيان وأسس أول تعليم نظامي يعتمد الصفوف ثم التخرج، وكان على المدرسين الذين يحملون الابتدائية، وأصبحوا مديري مدارس ومعلمين ومفتشين، أن ينخرطوا لإكمال تعليمهم من المنازل، ففتح بيته وجلب المعلمين من الإخوة العرب وأصبح منزله مدرسة ومعهدا طوال تلك السنوات، وكان باكورة إنتاج المدارس الريحانية هو الأخ الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي الذي أشعل فينا الغيرة وبدأنا ندرس بجد في المدرسة الريحانية أفواجا. فلتلك القرية ولشيخها سعد المليص يعود الفضل بعد الله في كثير مما وصلنا إليه نحن أبناء تلك الجهة. • ما المتاعب التي كانت تواجه انطلاقة التعليم في منطقة الباحة آنذاك؟ كانت بداية التعليم في تلك المنطقة بداية متواضعة مثلها مثل كثير من المناطق في المملكة وهي عبارة عن الكتاب أو ما نسميه في المنطقة «الفقيه» أو «المعلامة»، ثم تأسست مدارس حكومية ولكنها لم تكن تلتزم بالصفوف بل تهتم بالقراءة والكتابة وتركز على تعليم القرآن الكريم وقليل من الحساب، إلى أن أتى الشيخ سعد المليص في عام 1370ه فأسس ما نسميه اليوم باختبار المستويات، ووضع الطلاب حسب صفوفهم ومعرفتهم بالقراءة والكتابة. ولكن الثورة التعليمية الحقيقية بدأت في المنطقة بعد تأسيس وزارة المعارف في عام 1373ه، وفي ذلك الوقت كانت المصاعب في كل مناحي الحياة لأن شظف العيش كان المهيمن الأكبر ولم يكن هناك مصدر للدخل إلا ما تنتجه المدرجات الجبلية الصغيرة من محاصيل زراعية بسيطة إضافة إلى ما يملكه الإنسان من الماشية، إنها حياة قاسية بكل معنى الكلمة. • كيف كانت بدايتك في التعليم؟ لا أذكر اليوم الأول الذي ذهبت فيه إلى المدرسة الابتدائية ولكنني كنت أذهب مع شقيقاتي الكبار لإيصال طعام الغداء إلى أخي الأكبر ومن معه من أبناء العمومة بجوار شجيرات كانت قريبة من المدرسة، إذ كانت الدراسة على فترتين؛ صباحية وبعد الظهر، ثم دخلت المدرسة حينما كنت تلميذا وكان الشيخ سعد المليص هو مدير المدرسة وكذلك المرشد للمدارس الأخرى. ومن أساتذتي صقر بن سعيد بن صقر، و عطية أبو رياح، وعلي بن يحيى بن حمود، وما زلت أذكر الأستاذ العربي الفلسطيني الوحيد الذي كان في المدرسة في ذلك الحين وهو منذر عبد الرحيم، أما بعد أن بدأت الدراسة المسائية في الريحانية المتوسطة والثانوية تحت رعاية مؤسسها وصاحبها الشيخ سعد المليص، فقد كانت تلك الأيام هي الفترة الذهبية لنا جميعا، حيث كنا نعمل مديري مدارس ومدرسين ونشارك الأهل في حقولهم ومزارعهم وندرس مساء في منزل الشيخ سعد المليص، حيث يدرسنا زملاءنا المدرسين العرب. ولقد سبقنا إلى هذا الدكتور سعيد أبو عالي وكنا نختبر أمام لجان الاختبارات في جدةوالطائف، إذ لم يكن في الباحة مدارس متوسطة أو ثانوية (وقس على هذه المعاناة في الجوانب الأخرى) كالحصول على الكتب والأساتذة، ولك أن تتصور المعاناة حينما تعرف أننا كنا ننسخ الكتب من زملائنا المنتظمين في المدارس النهارية في الطائف ونعود بها إلى أقراننا في القرية ليعيدوا نسخ ما يحتاجونه، ورغم هذه المعاناة فقد كان الأمر ممتعا، فقد كنا نعرف قيمة الإنجاز في مواجهة المعاناة. • كيف كانت وسائل النقل للطلاب في بداية التعليم في الباحة؟ لقد أضحكتني كثيرا، لأن هذا السؤال احتوى على مفردات لم يعرفها ذلك الزمن (وسائل النقل!)، إنني أكاد أجزم أن 60 في المائة من الطلاب كانوا يذهبون إلى المدارس دون حذاء في ذلك الزمن، وإذا كانت هناك وسيلة نقل في البيت أو القرية فهي الحيوانات من الجمال والحمير، وكانت تستخدم وسيلة سفر بين القرى والمدن الكبيرة. أما التلاميذ فلا وسيلة لهم للنقل مطلقا لا حكومية ولا خاصة، ولم يكن أحد يفكر في هذا الأمر في ذلك الحين، بل إن بعض الطلاب والتلاميذ كانوا يمشون عشرات الكيلو مترات يوميا ذهابا وعودة حسب مكان المدرسة. • مواقف تتذكرها أثناء دراستك في مدارس المملكة. شخص مثلي عمل أكثر من نصف قرن مع الطباشير لا بد أن تمر به مواقف عدة مضحكة ومبكية ومواقف ذات عبرة، وما أذكره في اليوم الأول لذهابي للمدرسة معلما، كنت مع إشراقة ذلك اليوم الجميل في طريقي بأغنامي القليلة إلى الوادي وإذا بمناد من الأهل يطلب عودتي لأمر مهم، فعدت إلى مجلس البيت فوجدت خالي (رحمه الله) ومعه خطاب في (ربع فرخ) وورقة مكتوب عليها بالآلة الكاتبة (رسالة موجهة إلى «الأستاذ سعيد المليص») فتلك جملة ساحرة لم تمحها كل الألقاب التي حملتها فيما بعد، طفل عمره 11 عاما ويلقب بالأستاذ ويحمل المسؤولية، فبحثت والدتي ووالدي عن ثوب لي فلم يجدا، ولم يكن أمامهما إلا أن ألبساني ثوب أخي أحمد بعد تقصيره ليناسب طولي ،ثم وضع أبي شماغا على رأسي ليتناسب الزي مع الوظيفة الجديدة وكان ذلك في يوم 20/4/1374 ه وكأنه بالأمس، وذهبت إلى المدرسة التي اكتظت بالطلاب والأهالي في مساحة لا تزيد على 10×15م، وهي عبارة عن منزل تحول إلى مدرسة فيها 80 طالبا موزعين حسب مستوياتهم. • مواقف تربوية أو اجتماعية تتذكرها أثناء عملك في مهنة التدريس ثم الوكالة والإدارة ثم التفتيش وصولا إلى الوزارة، ما هي؟ أذكر أنني كنت يوما في طريقي إلى المدرسة وانقطع النعال (شبشب) فحاوت إصلاحه بشوكة من الطلح وسرت به قليلا، فانقطع مرة أخرى فتركته وذهبت إلى المدرسة مدرسا ووكيلا دون حذاء حتى عدت إلى البيت واشتريت «شبشبا» آخر. وفي وقت عملي في جدة، الطائف، مكة، والرياض كانت هناك مواقف عديدة تحصل لمن يعمل في الإشراف التربوي وهو العمل الذي بدأت به في جهاز الوزارة (التطوير التربوي)؛ كنت على مكتبي ولم أرتد عقالا في تلك الفترة وأتاني أحد الزملاء (الذي لو ذكرته عبر صحيفتكم لعرفه جمع كبير من القراء) وجلس على كرسي في المكتب وانتظرته يتحدث فلم يفعل، وخرجت لعلي أجد أحدا ينتظره أو يعرفه ليسأله عن حاجته وحينما عدت مرة أخرى قال: يا أخي لماذا وكيلكم تأخر إلى الآن؟. أما آخر المواقف وأنا نائب للوزير فقد كان موقفا جميلا وطريفا ولكنه كان نتيجة مباشرة لمن يعمل في وزارة التربية والتعليم، فقد كنت على مكتبي وكان علي أن أتخلص من بعض الأوراق المهمة عن طريق فرامة الورق والتفت إليها لأضع بعض الأوراق على الفوهة، وفي ذات الوقت أتاني هاتف فحملت الهاتف بيد والأخرى تحمل الورق إلى جهة الآلة، ولكني فوجئت أن نصف غترتي قد ذهب مع الورق، ولا تسلني ماذا فعلت بعد ذلك. • دور المرأة في الزمن الماضي هل اختلف عن الآن، وأي العصرين أفضل لها؟ لكل زمان أحواله وظروفه وله متغيراته التي يتعرض لها، ومؤهلات المرأة في قريتي وغيرها من القرى في ذلك الزمان تتمثل في أن تكون شديدة قوية لجلب الماء ومساعدة الرجل في الزراعة والحصاد، ولها دراية بتربية الماشية أيا كانت. واليوم تغيرت المؤهلات وأصبحت المرأة تحمل أعلى الشهادات وموظفة في كل المواقع، أما الأساسيات فتعتبر اليوم من الثانويات وللأسف. • أين أنت من شقاوة الأطفال في صغرك؟ عشت في كنف عائلة وقرية هادئة وفي ظل عميد عائلتنا ابن عمي الشيخ سعد المليص، الذي حد من شقاوتي حتى لعب الكرة كان محرما لديه بحكم ما تعلمه من أساتذته في ذلك الوقت. • هل كان في مخيلتك أثناء بدايات تعليمك أنك ستكون ممن يصنع القرار في مجال التربية والتعليم؟ الأحلام كثيرة ولكنها كانت بعيدة المنال، فقد كنت أنظر إلى أن ارتداء ثوب نظيف وغترة عليهما مسحة من ألوان «النيلة» أحد مطامحي. ولكن دعني أقول لأبنائي وأحبتي أن من طلب رضا الله في السر والعلن وقدم ما في استطاعته بنفس راضية سيصل إلى ما لا يتوقعه، إنني أحمد الله على ما أكرمني به من تقدير من ولاة الأمر ورؤسائي وزملائي، وما أحظى اليوم به من محبة إخوتي في عرض البلاد وطولها فهذا هو مكسبي وذخيرتي. لقد أكرمني رؤسائي وولاة أمر هذه البلاد بالرغم من أنني لم أقف يوما طالبا شيئا من أحد إلا من الله وهذا مصدر اعتزازي، ولهم شكري وثنائي ولربي من قبل وبعد الحمد وعظيم الثناء والإجلال. • بالطبع كل منا يحلم بأماني ومطالب في بداية حياته، فهل لك أن تذكر ما كان بخلدك آنذاك، وإلى أي مدى تحققت أحلامك؟ كنت أتمنى أن أصبح طيارا، فكنت أردد (أنا بدي أصير طيار) لكن هذا الحلم لم يتحقق. • أمر بدهي أن يتأثر كل فرد بشخصيات معينة، بمن تأثرت في حياتك؟ لقد تأثرت أولا بأفراد عائلتي ولا سيما في سلوكي ولله الحمد والدي وأشقائي وابن عمي عميد الأسرة وعميد التعليم في غامد وزهران (الشيخ سعد المليص)، وتأثرت في حياتي العملية بكثير من الرجال ومنهم أخي الأكبر أحمد، وزاد خوفي من الله في ظل عملي مع معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر، والأستاذ سعد أبو معطي (يرحمه الله) إذ إنهما أنموذج في العدل والدقة والورع قل نظيرهما، وتعلمت نسيان الذات والعدل والوطنية مع الدكتور سعود الجماز، وتأثرت بزيادة التواضع من شيخ العلماء والحكماء والدي الثاني الشيخ محمد بن جبير (يرحمه الله)، وتعلمت من الشيخ محمد أحمد أنور مساعد مدير تعليم الباحة التفاني في العمل والمثابرة و «ما لم تحصل عليه اليوم ستحصل عليه غدا إن شاء الله»، وازددت تعلقا بالصبر والحلم مع معالي الدكتور العبيد، وتعلمت الدبلوماسية في معاملة المرؤوسين من أخي وزميلي عبد العزيز الشائع مدير ثانوية التوحيد، وكثيرة هي الدروس التي أعتز بها من العديد من الأصدقاء. • عاصرت جيلين مختلفين، كيف تحكم بين الجيل الماضي من الآباء والجيل الحالي من الشباب؟ لكل زمان جمالياته، وأنا ولله الحمد استمتعت بكل دقيقة من حياتي في وقتها، بمعنى أنني استطعت أن أكون من الجيل الذي رأى السيارة وهو فتى ورأى الكهرباء تضيء للمرة الأولى وسمع الراديو للمرة الأولى، وقادني هذا الحال إلى أنني ما زلت وسأظل أؤمن بكل تقنيات العصر حتى تتحقق الآية في عصرنا أو فيما بعده (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك). ذاك جيل كانت ظروفه تحتم عليه تلك الحياة، واليوم نحن إلى البراءة والهدوء والصفاء والود والصدق والإخلاص، وإن كان لدينا جزء منها ولكن المغريات أشغلتنا. كانت أخبار الجيل السابق أصعب مما تحتويه المجرات اليوم، فكيف لي أن أقارن بين جيلين من هذا النوع. • منذ أكثر من 56 عاما وأنت تعمل في مختلف المجالات التعليمية والثقافية، ألم يؤثر ذلك في علاقتك بأبنائك والبعد عنهم أحيانا؟ جزاك الله خيرا على سؤالك، سأختصر الإجابة في رسالة من إحدى بناتي بعد قضاء إجازتها هذا العام معي، وعندما عادت إلى مدينتها أرسلت رسالة شكر وعرفان وقالت فيها: لقد شعرت للمرة الأولى أنك بيننا، لأن أبنائي ما فتئوا يقولون لبعضهم لا تقول كذا ولا تفعل كذا لأن جدو قال كذا وكذا. هذه هي حياتي أعطيتها لوطني 56 عاما وما زلت، ولكني الآن أستمتع واسترجع تلك الرحلة الطويلة. • أين تقضي إجازتك، وأي المدن تعجبك داخليا وخارجيا؟ لم أقضها إلى الآن خارج المملكة، واسأل عن ذلك أخي الدكتور سعود الجماز وبقية رؤسائي، فلم يتسن لي قضاء بعض الوقت خارج الوطن إلا بعد خروجي من مجلس الشورى عام 1418، حيث كانت زيارتي الأولى لبيروت، أما داخليا فأحب قضاء بعض الوقت في مدينة المصطفى (صلى الله عليه وسلم). • أين أنت من الإعلام، وماذا تتابع من القنوات الفضائية؟ أتابع في هذه الأيام فضائيات الأخبار وأصبح لدي وقت للشبكة العنكبوتية التي تنقلك مثل جني سليمان (عليه السلام). • ماهو أول درس ألقيته أمام طلابك، وهل كانت هناك رهبة؟ أول درس ألقيته في حياتي كان درس الهجاء، وما زلت أذكر أول درس ألقيته في مختلف المدارس والكليات والجامعات والمعاهد التي شرفت بالعمل فيها. أما الرهبة فلا أذكر أنها كانت موجودة، لأنني كنت أعتبر عالما بالنسبة لطلابي الذين كان معظمهم أكبر مني سنا، الرهبة كانت تنتابني حينما يزورني المفتش والموجه. • كلمات ما زالت عالقة في ذهنك إلى الآن من قبل القيادة الرشيدة في بلادنا؟ كلمات عديدة تمثل حافزا لكل عامل سمعتها من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (يرحمه الله) حين تشرفنا بالسلام عليه في يوم أداء القسم حيث قال «راقبوا الله في أقوالكم وأفعالكم»، وأعادها ويعيدها الآن ملك الإنسانية الملك عبد الله بن عبد العزيز (يحفظه الله) في كل اجتماع، ومن باب الوفاء الذي عرف عن أبي متعب قال في اجتماعنا الأول حينما تشرفت بالعمل في وزارة التربية والتعليم مع الدكتور عبد الله العبيد وسمو الأمير خالد آل سعود، قال بالحرف الواحد «الإخوان الذين سبقوكم ما قصروا بذلوا جهودا كبيرة، ولكن هذه طبائع الأمور يذهب أناس ويأتي آخرون وأتمنى لكم التوفيق وأن تكملوا المسيرة». • هل بالإمكان أن تتحدث عن تجربتك في اليونسكو؟ أنا لست جديدا على هذه المنظمة، فقد مثلت بلادي مرات عديدة فيها منذ عام 1401 ه، وكذلك من خلال مكتب التربية العربي لدول الخليج حينما شرفت بإدارته وقد كنت أحد المستشارين لبرنامج التعليم للجميع، إلا أن التجربة الجديدة في المجلس التنفيذي الذي يضم 58 دولة كانت تجربة فريدة وفرصة لتبادل الرؤى والأفكار والمساهمة في قيادة دفة المؤسسة، إذ إن المجلس هو الذي يجيز كل برامج ونشاطات المنظمة وكذلك اختيار المدير العام وكبار المسؤلين فيها، والمملكة حظيت بهذا المقعد لمكانتها التي تقدرها دول العالم في جميع فروع المنظمة بسبب ما وصلت إليه في التربية والعلوم والثقافة. • محطتان في حياتكم؛ مجلس الشورى، ومكتب التربية العربي لدول الخليج.. ماذا عنهما؟ كل مكان شرفت بالعمل فيه له مكانة خاصة وذكرى جميلة بداية بالمدارس الابتدائية في الباحة، ثانوية الفلاح في جدة، ثانوية دار التوحيد في الطائف، مركز العلوم والرياضيات في الرياض، جامعة الملك سعود، كلية الملك فهد الأمنية، معهد الإدارة العامة، ثم مجلس الشورى في دورته الأولى والخامسة، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ولا شك أن مجلس الشورى في دورته الأولى كان يمثل منعطفا كبيرا في حياتي ومسؤولياتي، فبعد تجربة طويلة في التعليم انتهت بوكيل مساعد لقطاعات عدة في وزارة المعارف إلى عضو في لجنة الشؤون التعليمية والثقافية في المجلس ثم نائب رئيس اللجنة ثم رئيس لها.. سعدت بأحبة في المجلس خلال دورته الأولى، وصحبة ما زلت استمتع بها إلى اليوم ولا سيما أننا في الدورة الأولى بدأنا من الصفر في بناء مكونات المجلس. مكتب التربية كان من أخصب الفترات في التعرف على أسرتنا الخليجية الواحدة وعلى عالم التربية والثقافة في مختلف أنحاء وطننا العربي والإسلامي وعبر دول العالم والمنتديات الدولية، وما زلت أحتفظ بصداقات في مختلف أنحاء العالم في هذه المجالات المختلفة نتيجة العمل التربوي والثقافي والتعليمي وبرامجه التي تشاركنا فيها. • كنت أحد صناع القرار في وزارة التربية والتعليم ما أحدث كثيرا من نقلات نوعية في الوزارة، هل أنت راض عما قدمت؟ أذكر قولا لأستاذي سعد إبراهيم أبو معطي في يوم خروجه من الوزارة قال بالحرف الواحد «والله إني أعتز بكل ما خطته يدي في هذه الوزارة، ولكني أخرج وكأنني لم أعمل شيئا لعظم المسؤولية وكثرة متطلبات الناس». وأنا بدوري أقول إضافة إلى ذلك: إن من يعمل في جهاز وزارة التربية عليه أن يعمل قدر ما يستطيع وأن يحرص أن يكون قلبه ولسانه ويده وجيبه نظيفة عند خروجه، وأن يدرك أنه سيخرج غير راض عما قدم لأن المسؤولية أعظم مما يتصور، والتربية كالجسم الذي ينمو في كل لحظة، وقد لا يحرم من عدم رضا الآخرين، فرضا جميع الناس غاية لا تدرك». • قرار كنت ترغب تطبيقه على مستوى الوزارة ولم يسعفك الوقت؟ المزيد من الصلاحيات لمدير المدرسة ومدير التربية والتعليم والخلاص من مركزية شارع المطار في الرياض. • ماذا تعني لك عودتك إلى مجلس الشورى بعد غيابك عشرة أعوام عن عضويته؟ طوق وفاء من خادم الحرمين الشريفين أعجز عن تقديم ما يستحقه من الشكر والثناء، ثم إنها صحبة ماجدة مع كوكبة من العلماء النابهين والمتميزين في شتى فنون المعرفة والتخصص. • حكمة قرأتها واستوقفتك منذ أيام. قول ينسب لابن عطاء الله السكندري «ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى بان لك وجه الحكمة في المنع، عاد المنع عين العطاء». • ما قصة إرسالك رسالة اعتذار لأقاربك بعد انتقال عملك من وزارة التربية إلى عضوية مجلس الشورى؟ لقد عتب علي كثير من أقربائي وأحبتي في طول البلاد وعرضها لأنني لم أقض حوائجهم طوال فترة عملي في الوزارة ولا سيما الفترة الأخيرة التزاما مني بمبدأ العدالة، وحقيقة أحمد الله أنني الآن مستريح الضمير قرير العين غير متأسف لأي قرار اتخذته بالرغم من تألمي كثيرا حين أعجز عن مساعدة الكثيرين، ويعلم كثير ممن عمل معي أن سعادتي تكمن في العدل ووجود سبب مقنع للمساعدة، ومع هذا فها هم اليوم يحمدون ذلك الصنيع بالرغم من عدم استفادتهم. • كارثة جدة أحدثت زلزالا عنيفا في المجتمع وذلك لعظم الفاجعة وفداحتها، خصوصا أنه لم يكن أحد يتوقع أن تحدث مثل هذه الكارثة في بلادنا ويفقد فيها الكثير حياتهم إضافة إلى الخسارة المادية البالغة التي حدثت، كيف يقرأ المليص هذه الكارثة، وما هي الحلول من وجهة نظرك؟ الكارثة وكما قلت كانت فاجعة أرهقتنا كثيرا، ولكني أجزم أن هناك عدة أسباب أدت إلى حدوثها، ولا بد لنا أولا أن نؤمن بأن ما حصل هو قضاء الله وقدره، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من قضوا في هذه الكارثة في عداد الشهداء، وأن يعوض من خسر بأحسن منها، ولكن لا يمنعنا ذلك من البحث في أسباب حدوث الكارثة بل لا بد لنا أن نبحث في وضع استراتيجيات وخطة مستقبلية لجميع ما قد تتعرض له أراضينا من مخاطر الكوارث الطبيعية، بما في ذلك لا سمح الله الزلازل والبراكين، وكيفة التعامل معها في جميع مناطق ومحافظات المملكة. • ما رسالتك لرجالنا البواسل في جنوب المملكة والذين يؤدون رسالة عظيمة هي الدفاع عن أقدس بقاع الأرض؟ (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، طوبى لكم يا من استجبتم لنداء ربكم تلبية للدفاع عن الدين والوطن، وأي وطن أغلى وأعز من وطنٍ يضم أطهر وأشرف وأعظم البقاع، إنهم حماة بيت الله عز وجل، وحماة مسجد نبيه (صلى الله عليه وسلم)، إنهم يدافعون عن كل مسلم تطأ قدماه هذه الأرض الطاهرة، إنه الوطن الكبير الذي يفتح أبوابه على الرحب والسعة لضيوف الرحمن القادمين من شتى الأصقاع، وأية مهنة أشرف من حماية بيت الله، والذود عن ضيوفه.