إذا كان التاريخ هو سردا للأحداث وحكاية أقوام سكنوا بقاعا مختلفة، وجاؤوا في عصور متباينة فإنه في الأصل عبرة ورؤية لصياغة مستقبل جديد.. ومن لا يفهم التاريخ لا يصنع المستقبل "لقَد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" جاء بذلك القرآن والآثار السابقة. بالرغم من ذلك إلا أنه ليس من السهل قراءة التاريخ قراءة واثقة بما جاء فيه.. فهو أيضا يعد كذبة متفقا عليها، مليئا بالتحيز والذاتية وشيئا من الموضوعية - وأقصد هنا التاريخ الذي كتبه البشر لا الذي جاء به الوحي- وقد تسقط بعض أحداثه سهوا وأكثرها تكتبه أقلام ملونة ومتشنجة تبتر منه ما تشاء. وهذا ما ينفي عنه القدسية؛ إذ إن لكل تاريخ مكتوب وجها غائبا.. فإن كان التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون, فإن الدماء العربية التي جرت فوق الأراضي إزاحة للظلم وغسل الفساد كانت نصرا سيسجله التاريخ حتما ليس بطولة فحسب بل إنه أحداث غيرت مجرى العادة.. وخلقت روحا جديدة لا تخشى أحدا.. إن تلطخ القذافي بدمه معنى بليغ لكل مستبد ما زال يترنح على كرسيه ويؤمن بطغيانه.. فالتاريخ خبرة تطورها فكرة المناضلة وتؤججها أرواح رجال قرروا أن يكتبوا التاريخ لا أن يكتبهم غير أن المعتبرين قليل.. القذافي الرجل الذي قرر ألا يتعلم أبدا.. فقد كتب روايته الهروب إلى جهنم منذ سنوات.. لا أعلم هل هي الحقيقة التي كانت تؤرقه وتدفعه لمزيد من الجنون؟! أم خياره الذي أراد وقلد أدواره وجسد أحداثه واقعا لا خيالا؟! ربما بعض القدر يجري على اللسان!! القذافي كان الكوميدي الأكبر الذي جعل كلماته وشطحات لسانه منهجا للسفهاء في الشارع العربي.. يتندرون بها عندما يتجعد الجبين!! ذاك الرجل لم يفهم ولم يرد أن يفهم أن التاريخ لا يحابي أحدا.. ولا يحتمل مسرحه التهريج..