يحدث أن تتأمل الحشود البشرية المستيقظة صباحا، تسابق الوقت وتقاوم الزحام لتعمل وتتعب، وبشيء من البديهة قد تسأل.. أليس من المنطق ألا تفني حياتها في الكد والجهد! لماذا لا تسرق مثلا، أو تتلاعب لتأخذ ما ليس لها، أعتقد أن لدى الإنسان شعورا فطريا بالاكتساب بالجدارة وليس التقاط ما في يد الآخرين، وإذا خالف ذلك، دخل في دائرة الصراع واحتقار الذات والمجتمع، والمهم هنا أن الصفة السائدة أن يعمل الإنسان ويأكل ويعيش من عرقه، ولا يهمنا شواذ القاعدة في السجون أو من لم تطوقهم يد العدالة. فالإنسان بطبعه أقرب للخير، ونخطئ إذا قررنا عنه صورا نمطية كشر مستطير عندما ينحرف به المسار بعيدا عن الحق، لضعف أو جهل أو غلبة الهوى. عندما نغادر الأمكنة، ويصبح وجودنا ماضيا لا يعود، لنا أن نسأل عن بصماتنا في حياة الآخرين، كيف كانت وكيف أصبحت؟ فلا أعظم من أن تترك في مكانك أثرا طيبا يستفيد منه غيرك، ولا أعجب ممن يبذلون مالهم وأنفسهم وعلمهم في سبيل سعادة البشرية وتقدمها، إلا استمرارهم المذهل! في كل الأديان، والشعوب، والمجتمعات على اختلاف طبقاتها، يبقى بث السعادة والطمأنينة والأمل، عمل العظماء وحدهم، الذين يعرفون سر العطاء لإنقاذ روح، ويدركون أن احتواء الناس ورحمتهم والأخذ بأيديهم يمنحهم أضعاف ما يقدمون، كيف لا! وهم يقتبسون باختيارهم صفات ربانية، من الكرم والرحمة والعطاء والمغفرة والنصرة... إلخ. على عكس المهزومين من داخلهم، من يعلقون خيبة آمالهم على عاتق الظروف وسيطرة الآخرين عليهم، من يجادلون حتى الهواء ويظنون بالحياة كل سوء، يقدسون الماضي وما عداه طغيان وظلم، وعربدة ووعيد، وسوء خاتمة، يؤذي ظلمة نفوسهم نور الابتسامة، وتزعج سكون مقابرهم ضحكات الغافلين كما يظنونهم. جرب أن تكون محضر خير بين متخاصمين، وامنح أحدهما فرحة، لتلمس صفاء الروح، وإياك أن تكون سببا في جرح، أو مصدر ألم، فإن لأنين الخلق سهاما لا تخطئ. خارج النص: لا شرف في إهانة مهزوم ولو كان طاغية.. والانتقام من جثة عار وجبن.