لا يزال الحديث لدينا في مجمله يعتمد على التعميم لا على الأرقام، وأعني بذلك ما نقلته «شمس» عن مسؤول في هيئة التحقيق والرقابة، الذي قال إن الإجراءات الصارمة التي تبعت كارثة جدة خفضت حجم الفساد في الأجهزة الحكومية، العموميات هي أنه لم تورد أي أرقام تؤكد هذا الانخفاض، ما يجعلها مجرد أقوال لا يسندها شيء، ومن ناحية أخرى ما بشر به المسؤول يقود إلى أننا بحاجة إلى كارثة لكي نفيق ونتحرك لتلافي الأخطاء، فما أفهمه من التصريحات أن الفساد في الأجهزة الحكومية ما كان ليلاحق بهذه الشراسة لو لم تقع كارثة جدة، وهذا بدوره يقود إلى سؤال مفاده ماذا كانت تفعل أجهزة التحقيق والرقابة ومختلف الأجهزة الرقابية الأخرى طوال الأعوام الماضية؟. ما أود الإشارة إليه أن التحرك والملاحقة والصرامة إذا كان وراءها كارثة ما فإن الحديث سيكون عن أمور وقتية، فما إن تنهي المشكلة وتمر عليها الأعوام حتى يعود الفساد ويدب مجددا، وهذا في حد ذاته أمر بحاجة إلى ملاحقة ومحاسبة. الفساد في الأجهزة الحكومية أمر لا مفر منه ما دام القائم بالعمل إنسانا، وهذه طبيعة بشرية تولد أشخاصا يجتذبهم الفساد وآخرين يحاربونه، لكن يظل هناك دور للرقابة يجب أن يفعل، وأن يزال من القاموس المحلي ارتباط الرقابة بوجود مشكلة، وهذا لن يصار إليه ما لم تكن جميع الجهات الحكومية مكشوفة بالكامل للمواطن، بحيث يستطيع المختصون من خارج هذه الجهات تلمس مكامن الفساد، والتشهير بها، لكن إن ظلت الأمور على حالها، بحيث تغيب كثير من المعلومات وكأنها أسرار فإن الفساد سيبقى، وما لم يفعل حق الاطلاع على المعلومة ويصبح متاحا للجميع فإن كثيرا من القضايا ستظل في مأمن من انكشافها.