" إن الفساد الإداري والمالي يشكّل أحد أكبر العناصر المؤثرة في أداء الأجهزة الحكومية ".. هذه العبارة الصارخة والصادقة وردت على لسان عضو مجلس الشورى د. سعيد الشيخ بعد مناقشة المجلس التقريرالسنوي لهيئة الرقابة والتحقيق ، والذي أتى صاعقاً بالحقائق ، كاشفاً عن المستور من الخلل والتسيب وإهدار المال العام في المؤسسات والأجهزة الحكومية . وفي نفس السياق قال عضو مجلس الشورى، د. خالد العواد : " إن المجلس يجب أن يتعامل مع ماورد في التقرير على أساس أنه عينة وليس عرفاً، فالوضع الحالي أسوأ مما عليه التقرير ، وصعب جداً.." . نتفق بدون أدنى تحفظ مع من يقول إن الفساد قد طال ، وتغلغل في عصب الحياة الإدارية والمالية في الأجهزة الحكومية ، وإذا أتى الإقرار بالحقيقة من أعضاء مجلس الشورى ، وتقارير هيئة الرقابة والتحقيق ، فإن الأمر لم يعد حالة خجولة تمارس على استحياء ، ويتعاطاها الفاسدون ، واللصوص بصورة تعتمد على أساليب التخفي ، والمداورة ، والاحتيال ، والتزوير، والخجل ، بل تحولت إلى ممارسة صريحة وواضحة، وتكرّست ثقافة هابطة عند الكثرة من الناس ، وهذه كارثة حقيقية ، إذ إن الفساد إذا تحول إلى نهج ، وثقافة ، وسلوك إداري ، يكون من الصعب جداً اجتثاثه في المستقبل ، والقضاء عليه ، أو حتى محاصرته داخل دائرة صغيرة ، أو شريحة من الشرائح الوظيفية ، وبالتالي فإن تداعياته على المجتمع والوطن سيئة وقاسية ، إن لم نقل قاتلة ؛ حيث تكون الداءات المسلكية ، والتخلف التنموي ، وبروز النفعيين، والانتهازيين، والوصوليين كمراكز قوى في الإدارة ، فتكون السيطرة التامة على كل المفاصل المالية ، وبالتالي العبث بالمال العام ، ومقدرات الوطن الإنمائية ، والتنموية ، وإعاقة برامج وخطط التطوير والتحديث والبناء الحضاري . لقد كشف تقرير هيئة الرقابة والتحقيق عن فضائح ترتكب في الإدارة الوظيفية والمالية ، وأضاء العتمة التي تقبع داخلها منهجية الفساد ، والإهدار ، وعقول النهب ، واللصوصية ، وإذا كانت هذه المسلكية تتجه إليها الأصابع منذ زمن بالاتهام ، إلا أن تقرير هيئة الرقابة وهو الموثّق ، والموثوق ، والدامغ ، أتى ليؤكد المؤكد ، ويضع اليد على الجرم ، ويجعلنا نشفق على طموحاتنا كثيراً ، ونخاف على مسيرتنا الرؤيوية ، وبرامجنا المستقبلية التي أخلصت القيادة السياسية في رصد المليارات لتنفيذها مداميك صلبة في مسارنا المستقبلي ، وضمانة تحقيق أفضل حياة إنتاجية وحضارية ومعرفية لأجيالنا القادمة ، إلا أن ثقافة اللصوصية ، ونهب المال العام تجهض كل هذه الطموحات ، وتغتال الحلم ، وتشل القدرة على السير إلى فضاءات حداثة القمة . أحسب أننا وقد فعّلنا أجهزتنا الرقابية ومنحناها الصلاحيات الكاملة في الكشف عن مكامن الخلل ، وأدوات السرقة ، وعقول النهب الشريرة ، لفي حاجة ماسة جداً إلى تفعيل المحاسبة والمساءلة ، وتقديم الفاسدين إلى القضاء ليقول كلمته فيهم ، ونضعهم في الأماكن المفترضة لهم ، وننصف الوطن والمواطن منهم . ولا أظن ذلك صعباً فهم ليسوا في حصانة..