في أواخر مايو 2007 كنت في العاصمة السورية دمشق وفي الوقت ذاته كانت البلاد تدوي في كرنفال عظيم حول الاستفتاء التالي «هل أنت مع الوطن، مع الحقيقة، مع المقاومة، مع الكرامة، مع استمرار السيد الرئيس بشار الأسد رئيسا لدولة سوريا العربية ل 7 أعوام مقبلة؟». من يعرف دمشق العاصمة سيعرف المثلث الجغرافي الذي سأتحدث عنه, مساء كل يوم تقريبا كنت أخرج من فندق المريديان سابقا عبر الشوارع المجاورة لجامع الحسن حتى السفارة الإماراتية ثم حديقة المدفع وخلفها يتفرع شارع سوق الشعلان الممتد من شارع الحمرا بجوار حديقة السبكي أو مجمع المخلوقات الجميلة, تطل على الحديقة عيادة صغيرة لطبيب أسنان درس الطب في أوكرانيا عقد الثمانينيات, بعد فترة حديث طويلة اكتشفت أن الطبيب هو الشخصية العادية الوحيدة، وسط عدد من المواطنين العاديين الذين التقيتهم، التي تعتقد أن ما يحدث في البلد هو باختصار «مهزلة», على بعد شوارع متقاطعة مقهى هافانا الثقافي الشهير الذي يبدو ثقافيا في كل شيء بالرغم من خلوه من المثقفين, تخرج من المقهى بطريق مزدحم وقد تتأمل تمثال القائد العربي الشجاع يوسف العظمة بالقرب منك وأنت تنحدر إلى دمشق القديمة والجامع الأموي, ثم تعود أدراجك وستقابلك محطة الحجاز القديمة وفندق فورسيزونز وجها لوجه ثم المتحف الوطني وجامعة دمشق حتى تغلق المثلث, هذا المثلث هو قلب دمشق النابض وكل الذين رأيتهم يدبكون ويرقصون ويغنون ويخطبون وينصبون الخيام البراقة ويعلقون الشعارات وصور القائد, كل الفنانين المغمورين وأصحاب المحال الصغيرة في مثلث دمشق هم متورطون بشكل أو بآخر في صنع ديكتاتور, المواطنون العاديون وطبقة البرجوازية الصغيرة والطبقة المتوسطة والمثقفون الشبان الذين لم يكونوا في حاجة للصمت وقت الكلام والكلام وقت الصمت يتحملون جزءا من وزر صناعة الرئيس الديكتاتور طوال ال11 عاما التي مضت, والجندي الذي يوجه فوهة بندقيته ضد مواطنه الأعزل هو نتيجة لهذه الصناعة ولهذا الصمت الذي خلقه كل هؤلاء.