لم يكن الهلال وحده المعني في رمضان؛ فما إن يذكر الهلال حتى تذكر رؤيته، وما رؤيته بالأمر الهين، وقد سجل التاريخ الإسلامي الكثير من المواقف التي تؤكد أهمية هذه الليلة التي يرتقب فيها هلال شهر رمضان فقيل عنه «الرائي» وقيل «الشاهد»، وهو الشخص الذي يرى هلال شهر رمضان ويبلغ عنه، وما البلاغ إلا وفق آلية معروفة في عصرنا هذا يتم من خلالها التوثق من رؤية ذلك الشاهد الذي تحدث عنه العديد من المشايخ وعن تلك الشروط الواجب توافرها فيه: يجب أن يكون الرائي على علم بشكل الهلال الصحيح، ويجب أن يشهد له بالرؤية الصحيحة الخالية من العيوب. في بادئ الأمر تحدث الشيخ عبدالمحسن العبيكان بقوله: الحساب الفلكي يحدد وقت الرؤية الصحيحة، ولا يعتمد عليه منفردا في مسألة دخول شهر رمضان المبارك أم لا، فالحساب الفلكي هو الذي يحدد وقت الترائي، فلا يمكن ذلك دونما الحساب الفلكي، ولا تتم قبول شهادة شاهد دونما الرجوع إلى الحساب الفلكي لتحديد وقت الرؤية الصحيح». ويضيف الشيخ العبيكان «من الضروري عدم تصديق الأشخاص الذين يدعون رؤيتهم هلال رمضان المبارك ومن المفترض ألا يلتفت إلى حديثهم ورؤيتهم غير الصائبة في حال وجدت المراصد الفلكية والمناظير الحديثة من درابيل رؤية وغيرها». وأردف بقوله « لقد ذكره الشيخ ابن تيمية، يرحمه الله، أن هلال رمضان هو ما يشتهر بين الناس، فكونه يحدد عن طريق شخص أو شخصين فهذا غير صحيح لأنه المتعارف عليه أن الهلال يرى بعد الشمس، فكيف يظن من يراه بالعين المجردة رؤية هلال رمضان المبارك قبل الشمس». إن الحساب الفلكي في رؤية الهلال دقيق للغاية، والحديث للعبيكان، والناس أجمعون يعتمدون على الحساب الفلكي الدقيق، حتى في غروب الشمس وشروقها. وبعد ذلك يأتي الخطأ الفادح في رؤية هلال رمضان المبارك بالعين المجردة من قِبل أحد الأشخاص فهذه مصيبة كبرى. ويقول الدكتورعبدالله العسكر عضو مجلس الشورى وأستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود «درجت الشعوب الإسلامية منذ فجر الدعوة الإسلامية على الاحتفاء بمقدم بعض الشهور العربية، نظرا إلى ما لها من مكانة خاصة تتصل بالمواسم الدينية. وعلى الخصوص مقدم هلال رمضان ونجد الاهتمام بمثل هذه المواسم الدينية في كل الأمصار الإسلامية لكنها في مصر أيام الدولة الفاطمية اكتسبت شهرة وتنوعا لا مثيل لهما في أي بلد إسلامي آخر». ويضيف: «إن هذا الاهتمام بالمواسم الدينية في المدن الإسلامية خصوصا في أوائل شهورها المباركة له دلالة خاصة في عقيدة المسلم المقبل على مناسك وفروض العبادة منذ تشريع تلك العبادات وقد سجل الرحالة ابن جبير قصة قصيرة عن رؤية هلال شهر رمضان سنة 579ه في مكةالمكرمة، حيث صادف وجوده فيها وما دونه ابن جبير يكاد يتكرر في كل بلد إسلامي عبر العصور الإسلامية إذ قال ابن جبير: «اجتمع فقراء المدينة ووجهاؤها بعد عصر يوم 29 شعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه النقيب ومشى بين يديه قائلا: «بسم الله.. سيدنا فلان الدين» فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له، ويجلسه النقيب في موضع يليق به، فإذا تكاملوا ركب القاضي وركب معه الحاضرون، وتبعهم حشد من الأطفال والصبية يهتفون ويصيحون بالأناشيد وينتهون عند موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه، فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ويوقد أهل الحوانيت الشمع، هكذا فعلهم في كل سنة».