على غير ما توقعته السجينة «سحر.أ» من جنسية عربية، بسجن بريمان في جدة التي كانت تنتظر ترحيلها إلى بلدها، قرر القضاء إعادة أبنائها إليها وبقاءهم في رعايتها وحضانتها مستقبلا، وكان لذلك مفعول السحر في نفسيتها التي تبدلت رأسا على عقب، بعد أن وصل بها سوء الحال لإشعال النار في زنزانتها بالسجن ومحاولة الانتحار وفقا للائحة ادعاء من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام تتضمن المطالبة بعقوبتها على ذلك. وفيما كانت سحر ومن يعرفنها من نزيلات السجن والعاملات به ومسؤولي السجن العام يتوقعون إقرار عقوبة تعزيرية بحقها جراء ما أقدمت عليه، جاء القرار القضائي بخلاف المتوقع، حيث حلت المحكمة مشكلتها التي أودعت بسببها السجن وتحولت حالتها من اليأس الذي كاد يوصلها للانتحار إلى حياة مليئة بالسعادة لعودة أبنائها إليها، فعند مثول المتهمة بمجلس القضاء أمام القاضي بالمحكمة الجزئية بجدة الشيخ عبدالمجيد اللحيدان وبعد أن استعرض ملف قضيتها وبعد أن سألها عن صحة التهم الموجهة لها ولماذا أقدمت على ما أقدمت عليه؟ جاءت إجاباتها مليئة بما يعكس جانبا آخر من القصة، فقد روت في مجلس القضاء روايتها المحزنة ببساطة فتاة صغيرة غير متعلمة ولكنها رواية امرأة كانت زوجة ففقدت بيت زوجيتها وأم ذات صغار تحبهم «بجنون» وحرمت منهم بعد أن انتزعوا منها وأصبحت يائسة من أن تراهم مستقبلا. تفاصيل المأساة قالت سحر في إجاباتها عن التهم الموجهة لها ودفاعها عن ذاتها وقضيتها ووصفها لمأساتها: «أنا مودعة في السجن منذ أربعة أشهر، لا أعرف لي تهمة أو ذنبا اقترفته، بل أنا مجني علي، فقد حرمت من أبنائي الثلاثة الصغار وأبعدت عنهم بعد معاناة طويلة ومريرة في حياة زوجية بائسة ومليئة بالمآسي» وتابعت سرد قصتها «تزوجت من شاب من أبناء هذا الوطن في بلدي مصر دون استكمال الإجراءات الرسمية للزواج على أن يتم تعديل وضعي الرسمي هنا بالمملكة، وأحضرني إلى مكةالمكرمة بعد تعب ومعاناة ومكابدة وتنقل وأخطار وأهوال في رحلة شاقة، وعشت حياة زوجية شاقة ومريرة قادتني أخيرا إلى السجن، فقد دبت بيني وبين زوجي «سابقا» الخلافات وكان أغلبها بسبب إلحاحي على إنهاء الإجراءات الرسمية الخاصة بي وتصحيح وضعي، وأدت كثرة المشاكل بيننا إلى انفصالنا شرعيا انفصالا كاملا». وتضيف سحر التي التقتها «شمس» في المحكمة الجزئية بجدة بعد أن علمت بمثولها أمام المحكمة: «بعد الانفصال ظل أبنائي الذين أحبهم جدا في حضانتي ورعايتي بعد أن لم يعد لي في الدنيا سواهم، لكن المشاكل مع طليقي تطورت وهي تتركز حول الأبناء وتخوفه عليهم وأن أهرب بهم لبلدي، وكان ذلك سببا دائما لمزيد من النزاع والخلاف بيننا، وتفاقمت الخلافات ووصلت إلى مراكز الشرط وللمحاكم بمكةالمكرمةوجدة، وكانت نقطة ضعفي التي لا دخل ولا ذنب لي بها هي أن إقامتي غير نظامية وأنه يجب ترحيلي من المملكة، وهذا ما آل بي للسجن بعد أن انتزع مني أبنائي الثلاثة، حيث أودعت انفراديا بالسجن وكنت أتجرع مرارة فقد أبنائي وبعدي عنهم وهواجس ألا أراهم مستقبلا، خاصة أن خيالاتهم لم تكن تفارقني قط كما أن مرارة السجن أضيفت لذلك». وتضيف سحر: «كانت معاناة نفسية لا توصف، وكان كل هذا يصيبني بالهستيريا الشديدة وعدم القدرة على النوم، ولم أكن أرغب في هذه الحياة التي كانت معاناتي فيها شديدة ومستقبلي فيها دون أبناء كالجحيم، وكان الموت أفضل لي من ذلك ولذا فعلت ما فعلت». الجانب الشرعي والإنساني كانت هذه القصة الإنسانية ل«سحر» هي التي استوقفت ناظر القضية الشيخ اللحيدان فأدرك بحس القاضي الإنسان أن قضية سحر مختلفة فهي أم لثلاثة أبناء، والدهم سعودي وهم بالتالي سعوديون، وليس لها ذنب في خطأ وضعها النظامي وهي لا تتحمل مسؤولية شرعية في ذلك وأن أمرها وقضيتها يحتاجان إلى معالجة إنسانية وإدارية وليس المزيد من تكريس المعاناة والضرر والبؤس بها وبأبنائها، فاتجه بالقضية إلى الحل الشرعي والإنساني الصحيح. وفيما لم يتسن ل«شمس» الاتصال بالشيخ عبدالمجيد اللحيدان ناظر القضية، قال الشيخ إبراهيم السلامة رئيس المحكمة الجزئية بجدة: «كان توجه ناظر القضية القاضي معالجة وضعها من كافة جوانبه وحل المشكلة الأصلية حلا شرعيا وإداريا صحيحا، وهو توجه يحمد لفضيلته ويشكر عليه». ويضيف الشيخ السلامة: «شرع ناظر القضية بالتنسيق مع المحكمة والجهات القضائية في اتخاذ الإجراءات الخاصة بمخاطبة أمير المنطقة للنظر في وضعها ومشكلتها من حيث تعديل وضع إقامتها، ومن ثم النظر في قضية أبنائها وحضانتهم على الوجه الشرعي، وذلك ما يوجبه شرع الله، كما كانت هناك محاولات للوصول إلى حلول لمشكلاتها مع طليقها ووالد أبنائها، ونحمد الله أن تلك المحاولات نجحت في الوصول إلى حل للمشاكل بينهما، حيث وافق الزوج على سفر أبنائها معها وأن يكونوا في حضانتها حيث يقيم أهلها، وقد بدئ بالفعل في استكمال الإجراءات الرسمية الخاصة بكل ذلك» .