فقير يعاني من كثرة الأبناء وقلة ذات اليد، ومليونية الحشود السكانية الوطنية التي تكفي لسد الحاجة للأيدي العاملة، وازن بين الحياتين وحكم المنطق، وأتى للعمل في إحدى الدول العربية، التي لا تمثل له إلا سوقا واسعة للعمل، ومجالا ضخما ومتاحا لتحسين أوضاعه. فلم يمتنع عن العمل ك«سائق» رغم حمله لبكالوريوس «هندسة» في بلاده، ولم يرفض عرض العمل في كنس الشوارع، في مهنة لا يوازي راتبها جهدها. هذه هي باختصار قصة الآلاف من العمالة المستقدمة التي يحلو للكثيرين أن يستخدموا أفرادها مادة صالحة وجاهزة للهزء. وعدا أن حكم الغيبة «ككبيرة» واضح ومعروف، وألا أحد يرضى بأن يكون مثارا للسخرية، أعتقد أن على الكثير منا أن يكلف نفسه التفكير لدقيقة فيما قد يكون عليه مسار حياة ذلك العامل. ذلك الشخص الذي انتقل من بلد إلى بلد ليحقق حلم «العمل في الخليج»، ويكفي نفسه وأهله قوت اليوم، وهو ذات الشخص الذي امتلك جرأة السفر إلى بلد أبعد ما تكون ثقافة عن بلده، وهو فوق ذلك لا يتقن لغتها، فاستطاع في فترة وجيزة أن يطبق معنى «التكيف والمعايشة»، وأن يأمن المكر ب«ثروة» من المفردات التي يفاجئ سامعه بها أحيانا. قد نفكر جديا في أهمية احترام ذلك العامل، بل وتقديره أيما تقدير، إذا ما تخيلنا حال شوارعنا التي لن يرى إسفلتها إذا ما توقف عن العمل، وحال الرجال إذا ما أضرب السائقون عن مهنهم، والأدهى حال البيوت إذا ما خلت من «رباتها البديلات». وإذا ما راودتنا الأنفس للهزء مرة، فلنا أن نطلع على أعداد مبتعثينا العائدين لعدم تجاوزهم حاجز اللغة، وهم من يفترض تأسيسهم لغويا من هنا، ولنقارن بين التجربتين!